عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2008-05-08, 6:41 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي ( من سنن الله في الكون : ولادة ... واحتضار !! )
( من سنن الله في الكون : ولادة ... واحتضار !! )


قال الراوي :
كانت ليلةً ما أطولها ، وما أشد حلوكة ليلها ،
وما أعنف الريح الصرصر التي هبت فيها ،
حتى أقضت المضاجع ، وأرعبت الناس ،
ولم يستطع أكثر الخلق أن ينام ليلتها ،
.
وبقيت ساهراً أتململ ، أقلب نظري في هذه الرقعة السوداء ليلاً طويلاً ،
حتى لاحت بوادر انقشاع هذه الظلمة ، فلقد بدأ الفجر يتولد !!
.
وظللت مبهوراً أمام هذه اللوحة البديعة ،
وأنا أتابع تداخل خيوط الفجر الأولى مع خيوط الليل الذاهب ،
كانت ستارة الليل ترتفع تدريجياً وببطء شديد،
وخلال ذلك تتسلل أشعة الفجر ، كأنما هي آتية من بعيد ،
من نقطة أبعد من خط الأفق ،
وهي تطارد أمامها بقايا الليل الهارب من بين يديها !
.
ما أشبه هذا المشهد بزحف مواكب الحق ، حين تلوح من بعيد ،
فتفر منها خفافيش الباطل وأهله وتتوارى .!
مع هذا الصباح الوليد الذي يتنفس نوراً ، ويلقيه على وجه الحياة لتحيا ،
وتنشط من عقالها ، فتدور عجلتها اليومية بالناس !
.
ما أروع لحظة المزيج هذه ، خلال عملية الولادة البطيئة لهذا النهار الجديد ،
وكأنما وقفت لأشهد لحظتين فريدتين تتكرران كل يوم ،
وأكثر الخلق عنها في غفلة !
.
كنت أشهد بملء عيني لحظة ولادة هذا الفجر الرائع ، يخرج ببطء من رحم الليل
وفي نفس اللحظة كنت أتملى بمشاهدة احتضار الليل ، الذي طال وامتد لساعات ،
حسبها بعض الخلق دهرا ، بل ومنهم ربما من ظنه ليل ليس له آخر !!
مشهد يهز القلب هزاً ،
ويوقظ الروح من سباتها ،
ويحرك أعماق النفس ،
ولولا بلادة الحس ، وألفة المشهد المتكرر ،
ربما لفعل بهذا الإنسان ما لا تفعله مئات الخطب والمؤلفات !
.
جلست أتابع مبهوراً في صمت ،
والكون من حولي صامتاً كذلك ، يتابع هو الآخر مبهورا مثلي !
بل لقد تنبهت أن الكون خيراً مني ، فقد كان يتابع وهو آخذ في تسبيح وتحميد الخالق جل وعلا !!
بينما كنت أتابع معقود اللسان ، وإن كان في قلبي بلابله ..!!
.
وأخذ الليل ينسحب انسحاباً منظماً ، تاركاً المسرح كله لزحف النهار لتأخذ مكانه ،
وانطلقت أسراب الطيور تملأ الفضاء ، مغردة منشدة هي الأخرى في فرح بالتسبيح ،
واهتزت الدنيا ابتهاجاً بيوم جديد ، ونشرت الأزهار أريجها المعطر ،
كأنما هي توزعه على كل من يمر بها ، تعبيرا عن فرحتها بهذه الولادة الجديدة ،
.
لقد خيل إلي ساعتها أن الحياة كلها نشطة ،
كأنما انطلقت من عقال كانت مشدودة إليه ،
بل خيل إلي كأنما الدنيا توضأت بالنور ، واغتسلت بالندى ،
وها هو وجهها يشع ضياءً ..!
وقبل أن ألملم نفسي ، لأنهض أستقبل يوما حافلاً بالعمل ،
كأنما سمعت همس الكون في أذني يقول :
لا تقف عند المشهد الخارجي ، وتوغل قليلاً فيه ، لتخرج بدرس الحياة الرئيس !

استوقفني هذا الهاجس ، وأدرت فكري سريعا فيما يعني .. ثم صحت :
يا إلهي .. نعم إنه درس الحياة الأول ،
لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..
إن ليل الباطل الذي قد يبدو لقاصري العيون ، أنه ليل بلا آخر ،
سينجلي حتماً ولابد ، وأن طلائع النور لاشك زاحفة ،
وستملأها عدلاً كما ملئت جوراً ..
وإن غداً لناظره قريب ... وعلينا أن نثق ،
وأن نتعلم من دروس الحياة ، أن لم نتعلم من دروس الوحي
وما أكثرها وهي تقرر ذلك ..!!
اللهم علمنا ما ينفعنا .. اللهم آمين





كتبها بو عبدالرحمن