قال أبو قتادة وأبو الدهماء: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى، وقال: ((إنك لن تدع شيئاً اتقاءَ الله جل وعزّ إلا أعطاك الله خيراً منه)) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
والتاجر الصدوق الأمين الذي يصدُق في بيعه وشراءه وأقواله وأفعاله، وهو يرى أنواع الغش والاحتيالات والتدليس والتلبيس، ويرى ما يحصله بعض أهل السوق من وراء هذا من المكاسب الكثيرة يصبر فلا يغش، ويصدق فلا يكذب، فيعقبه الله في دخله بركةً وزيادةً من حيث يشعر أو لا يشعر.
اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك الأرباح من غير بضاعة.
وإن امرؤٌ لم يرتحل ببضاعة إلى داره الأخرى فليس بتاجرِ
وإن امرؤٌ يبتاع دنياً بدينه لمنقلبٌ منها بصفقة خاســر
فالعاقبة الحميدة للمتقين، ولكن المسألة تحتاج إلى صبر، ولذلك قال: **فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}(سورة هود:49).
يقوم الداعية إلى الله، فيدعو إلى سبيل ربه، ويعلِّم الناس، فيصبر على الأذى، وربما ناله ما ناله، وقد نال النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش شيءٌ عظيم، حتى قال: ((لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد)) وقال عليه الصلاة والســلام((وأخفت في الله وما يخاف أحد)) فقد أخيف بما لم يُخف أحدٌ مثل ما أخيف، وأوذي بما لم يؤذ أحدٌ مثل ما أوذي عليه الصلاة والسلام.
فماذا فعل؟ صبر.
هل ترك الدعوة؟ لا.
هل حاد عن منهاج ربه؟ لا.
استمر صابراً على ما أنزله الله عليه **فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ}(سورة الزخرف: 43)، ومضى إلى ربه.
نعم، يضيق صدره بالأذى **وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}(سورة الحجر: 97)، فهذا الضيق حاصل، لكن ما هي النتيجة؟ وما هي العاقبة؟ الظفر والنصر، "إن أتاكم الله بالعافية فاقبلوا، فإن ابتليتم فاصبروا، فإن العاقبة للمتقين" قاله علي رضي الله عنه.
ولا بد في طريق الدعوة من الصبر على الابتلاء، وليس ثمَّ طريقٌ في الدعوة خالٍ من الإيذاء، ولذلك أمرنا الله تعالى بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر؛ لأن المؤمنين يثبت بعضهم بعضاً **وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (سورة العصر).
يُشجع المنافقون الذين يتنازلون عن أشياء من دينهم، ويستقبلونهم فرحين، ويُفسحون لهم المجال والشهرة والأضواء، لكن الذي يصبر فلا يدخل في هذا طاعةً لله، وصبراً لدين الله؛ لأنه لا يريد أن يتنازل عن شيءٍ مما أنزله الله **فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ * وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا}(سورة الزخرف: 43-45).
هذا طريق واحد، ودربٌ طويل، وفيه مشاق، لكن لا خيار ولا مناص **وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}(سورة الطلاق: 5)، **وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}(سورة النور: 52)، **تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا}(سورة مريم: 63)، **هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ}(سورة ص: 49)، **وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}(سورة مريم:71، 72).
اللهم اجعل الجنة مأوانا ومثوانا، ودارنا يا رب العالمين، اللهم أحسن خاتمتنا، وارض عنا، وأكرم نُزلنا، وكفر عنا سيئاتنا، وضاعف لنا حسناتنا، اللهم أعطنا ثواباً جزيلاً من عندك يا رب العالمين.
نقلا