وفي اللذة الحسية دروس ودروس .. !!
= = = = = =
قال لصاحبه وهو يحاوره :
الأصل أن المؤمن يأخذ من كل شيء درساً بل دروساً تنفعه ،
فلا يمر بشيء ، ولا يقع شيء ،
إلا وقلب المؤمن يلتقط فوائد من هنا وهاهنا ..
قال الآخر :
لقد سمعت هذا مرارا من بعض شيوخنا ،
وقرأت مرارا في أكثر من كتابٍ مر بي ،
وكنت أحرص على أن أكون كذلك ، فلا يمر بي حدث ، أو أمر على مشهد ،
إلا وأجهد أن استخرج درسا من هنا أو هاهنا .. ولكن ....
.
قال الأول : ولكن ماذا ...تابع فإني أصغي ..
قال صاحبه : تعلم أني متزوج منذ سنتين ، وكنت أجهد في أن أصل إلى
الدروس التي تتضمنها هذه اللذة الحسية الصرفة ، على فراش الزوجية ..!
فلم أصل إلى شيء ، سوى أنها من أجل استمرار النسل ليس إلا ..!
.
تبسم صاحبه وقال : هذا صحيح ، ولكن هناك دروساً كبيرة غير هذا ..
وإنه يا صاحبي ليس درساً واحداً ، بل هي دروس عدة ، وأول هذه الدروس :
أن هذه المتعة الحسية ليست سوى أنموذج وعينة ومثال لمتعة مماثلة ،
غير أنه لا نسبة بين هذه وتلك ،
هذه قصيرة خاطفة وفانية .. وتلك طويلة متجددة ودائمة لا تنقطع !
فالمؤمن حين يجد متعة هذه " الدقائق " قفز قلبه إلى ما ينتظره هناك في
جنة لا موت فيها ، ولذاتها لا تنقطع ، بل تبقى متجددة ابداً ،
وقوة الإنسان فيها أضعاف ما هي عليه في هذه الدنيا !!
ولك أن تتخيل كيف تكون لذة إنسان ..يحمل في داخله قوة مائة إنسان !!!!
.
فيدور عقله وهو يقوم بهذه المقارنة ، فيجد نفسه يسأل الله سبحانه :
أن يجعله من أهل الجنة ، حتى لا تفوته لذاتها ومنها هذه !!
ثم لا يكتفي بالدعاء ، بل ذلك يدفعه إلى التشمير لطلب الفردوس ،
فتكون تلك اللذة الحسية بعينها ، عامل تهييج نحو الجنة ..!!
.
في الوقت الذي تكون فيه هذه اللذة نفسها ، سبباً لدفع غيره إلى نار تلظى ،
إن لم يتب توبة خالصة صادقة نصوحاً ..
حملق الثاني بعينه وأخذ يرفع صوته بالتكبير : الله أكبر الله أكبر ..
واصل الأول كلامه :
ودرس آخر لا يقل أهمية عن هذا الدرس ..
.
أنه بعد الفراغ منها يراها منة عظيمة من الله سبحانه عليه ،
حيث يسرها له في حلال خالص ،
وفي الوقت الذي يتمرغ كثيرون في وحلها ، لأنهم يأخذونها بالحرام !
يستمتع هو بحلاوتها لأنه يحصلها ومعها رضا الله عنه وعن زوجه !
ولذا فهو يجد فيها لذة مضاعفة ، عن لذتهم فيها ،
لأن لذتهم مغموسة بسخط الله وغضبه مما يفعلون ،
وإن كانوا يجدون متعة ما فيها ، لكن لا نسبة على الإطلاق بين اللذتين ،
لذة محفوفة برضا الله ، ولذة متضمنة سخط الله ..!!
.
هذه المعاني تفور في قلبه فور أن يفرغ من تحصيل تلك اللذة ،
ويجد لحمد الله عليه ، لذة أخرى غير ما كان فيه ..!!
حتى لربما دمعت عيناه ، وهو يدير لسانه بحمد الله في تلك اللحظات الفريدة ..!!
ومما قد يهيج عينيه على البكاء ، أنه يستشعر عظمة هذه النعمة من الله عليه ،
وأنه يرى نفسه مقصرا في شكر الله عليها ، فيلزمه المحافظة عليها ،
وذلك مدعاة إلى أن يحرص على :
إقامة علاقة ودية قوية حميمة طيبة راقية مع زوجه ،
التي هي الطرف الآخر في هذه المعادلة ، لينعما بهذه النعمة أكثر فأكثر ،
فإنهما لا يحصلانها إلى إذا أتياها وهما في حالة توافق
وحب وانسجام وعلاقة طيبة !!
.
عاد الأول يرفع صوته بالتكبير ، صم يدير لسانه بالتسبيح ..ثم قال :
والله أن في هذا لدروس كثيرة وليس درس واحد .. الله أكبر ..!
واصل الآخر حديثه الشجي ، كأنه لم يسمع ما قاله صاحبه :
.
ودرس ثالث : أنه بعد الفراغ منها ، والاستمتاع بها ،
يرى أنه أعجز من أن يحصلها على تمامها ، وكمالها ، إلا بمحض توفيق الله له
، وإعانته إياه ، وتقويته له عليها ،
فكم من إنسان يعجز عن تحصيلها حتى في الحلال ،
لضعف فيه ، أو مرض ألم به ، أو بسبب زوجه ، أو ما إلى ذلك ،
فيرى كيف أن الله سبحانه لطف به وأعانه وقواه ، ونحو هذا ..
فيزداد شكرا لله وحمدا وإجلالاً ..!
فتكون هذه اللذة المحضة ، سبباً في زيادة تعريفه بالله عز وجل ، وزيادة ربط قلبه به سبحانه .
.
ودرس رابع : يتفكر بعد الفراغ منها ،
كيف أن الإنسان في تلك اللحظات مقهور تحت عنف هذه اللذة ،
لا يكاد يعمل عقله إلا فيها ، ويغيب عن كل شيء سواها ،
ويجهد نفسه جهدا شديداً من أجلها ، فإذا فرغ منها مستمتعا بها ،
فكأنما تنفس الصعداء من أمرا كان جاثماً على صدره ..!
.
هذا المعنى يجعله يعرف حقيقة هذا الإنسان المسكين ،
وكيف أنه مقهور للذة مثل هذه ، هذا القهر يملأ عينيه بحقيقة كونه عبد محض ، وأن رباً جليلاً عظيماً ، قادرا على قهر عباده بألوان من قهره إذا شاء ،
ومنها هذه الصورة من القهر " اللذيذ " ! ..
هذا المعنى يزيده تعريفاً بالله سبحانه ..!
للمرة الثالثة يعود صاحبنا إلى رفع صوته بالتكبير .. الله أكبر .. الله أكبر .
.
قال الآخر : ودروس أخرى غير هذه يمكنك لو أحسنت إدارة عقلك ،
أن تصل إليها في يسر ..
وكلها تصب في زيادة معرفة الإنسان بربه ، ودفعه إليه ،
من خلال التفكر في هذه اللذة الحسية نفسها ..
ومن هنا أعود فأؤكد على أمر يغيب على أكثر الخلق :
أن الإنسان المرتبط بالله سبحانه ، يذوق هذه اللذة بعينها ، في الحلال أضعاف
أضعاف أضعاف ، ما يذوقه منها من يُسقطون أنفسهم لها في الحرام ..!
ومن ثم فقد خسروا مرتين ، من حيث لا يحتسبون ... ويا حسرة على العباد .!
.
[ ولنا موضوع مشابه لهذا كنا قد كتبناه من زمن ،
وقد تضمن دروسا أخرى ،
فإن وجدنا أرفقناه بهذا .. والله الموفق ..]
كتبها بو عبدالرحمن