وجدت أراء مختلفة وفيها جدل أزلي لا اتفاق فيه وقد
أعجبني هذا المقال :
إن استدلال إبليس على الخيرية بالمادة التي كان منها
التكوين استدلال فاسد من عدة وجوه :
1. أن خيرية المواد بعضها على بعض ليس من الحقائق
التي يمكن إثباتها بالبرهان، وإنما هي أمور اعتبارية
تختلف فيها الآراء والأهواء، وأصول المخلوقات المختلفة
التركيب عناصر بسيطة قليلة يرجح أنها متحولة عن أصل
واحد كما يعلم من فن الكيمياء.
2. أن بعض الأشياء النفيسة أصلها خسيس، فالمسك
من الدم، وجوهر الألماس من الكربون الذي هو أصل
الفحم، وكذلك قد يكون الخسيس أصله نفيس؛ مثل
الأقذار التي تبقى من مادة الطعام الذي يشتهى ويحب.
3. أن الملائكة خلقوا من النور، وإبليس خلق من مارج
من النار، قال عز وجل: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا
لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن . (الكهف: 50)،
وقال أيضا: وخلق الجان من مارج من نار . (الرحمن 15)،
والمارج من النار هو اللهب المختلط بالدخان فما فوقه
دخان وما تحته لهب صاف فإن مادة المرج معناها الخلط
والاضطراب ولا شك في أن النور خير من النار والنار
الصافية خير من اللهب المختلط بالدخان وقد سجد
الملائكة المخلوقون من النور امتثالا لأمر الله عز وجل،
فكان أولى به أن يسجد هو، بل كان أولى بأن يقال له :
أولى لك فأولى.
4.إذا سلمنا جدلا أن خيرية الشيء ليست في ذاته
وصفاته الخاصة التي تفصلها عن غيرها من مقومات
نوعه ومشخصات نفسه وصفاته التي يمتاز بها عن غيره
وإنما هي تابعة للمادة التي هي أصل جنسه فلا نسلم
أن النار خير من الطين .
فإن جميع الأحياء النباتية والحيوانية في هذه الأرض مخلوقة
من الطين بالذات أو بالواسطة، وهي خير ما فيها بكل
نوع من أنواع الاعتبارات التي تعرفها العقول وليس للنار
أو لمارجها مثل هذه المزايا ولا ما يقرب منها ثم إن الطين
من شأنه الرزانة والحلم والأناة والتثبت والطين محل النبات
والنمو والزيادة والإصلاح والنار من شأنها الإحراق والطيش
والسرعة ولهذا خان إبليس عنصره ونفع آدم عنصره
بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر
الله عز وجل والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة .