كيف نتعامل مع أخطاء الآخرين؟
كثيراً ما تتداخل المفاهيم وتختلف المشاعر وتتوالد السلبيات في أثناء تعاملنا مع أخطاء الآخرين, ولكن هناك علامات إيمانية مضيئة قدمها المنهج النبوي الكريم في تعاملنا مع أخطاء الغير تقوم السلوك الإنساني في الحكم على الآخرين وتدعو إلى العدل والإحسان مع المخطئ..نشير إلى بعضها بإيجاز:
1- أن يكون قصد الوقوف على خطأ الغير هو لله وحده لا شريك له فلا يكون بقصد التشفي والانتقام ولا بقصد السعي لنيل رضا الناس ولا لمصلحة شخصية عائدة أو ظنية.
2- أن يكون منطلق البحث في أخطاء الغير العلم بأن الناس جميعاً خطاؤون، وأن النفس البشرية تخطئ وتصيب، وقد علم هذا وتواتر كمنهج إسلامي شرعي، ففي الأثر الحسن " كل بني آدم خطاء "...وقال مالك: " كلنا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا المقام وأشار إلى بيت النبي _صلى الله عليه وسلم_ ".
3- التفريق بين المخطئ العامد والمخطئ الساهي أو المضطر أو الجاهل أو غيره وكذلك اعتبار ظروف الخطأ.
4- اختيار من يصحح الأخطاء، بحيث يتوافر فيهم العدل والشفافية والبعد عن المصلحة وعدم الخلفية الخلافية أو العدائية ولما ناظر داود الظاهري أحدهم، رد عليه ذلك الشخص، وقال له: إذا كنت تقول كذا وكذا؛ فقد كفرت والحمد لله. قال له داود: لا حول ولا قوة إلا بالله! كيف تفرح لكفر أخيك المسلم؟
5- مراعاة قيمة المخطئ وإيجابياته وقياس فضائله ووزنها بأخطائه.." ففي الحديث " لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم " وللأسف فنحن حينما نحاول أن نزن حسنات الآخرين وسيئاتهم؛ تجدنا في الغالب نتمنى أن يميل الميزان لترجح هنا أو هناك بحسب ميلنا أو هوانا! وكان الشافعي _رحمه الله_ يقول: ما ناظرت أحدا إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه.. فانظر وتأمل.
6- استبدال لوم المخطئ بتوجيهه وتعليمه وتقويم سلوكه وكما يقول أنس بن مالك _رضي الله عنه_: إنه خدم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عشر سنوات ما لامه على شيء قط، وإذا حدثه في ذلك بعض أهله قال: "دعوه فلو كان شيء مضى لكانْ"، وفي رواية للطبراني قال أنس بن مالك: "خدمت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عشر سنين فما وُريت شيئاً قط وافقه، ولا شيئاً خالفه" [1].
7- بيان الصواب للمخطئ؛ لأنه ربما ظن نفسه محقا وربما بعد البيان يعود المخطئ إلى الصواب.. في قصة معاوية بن الحكم حيث قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إذ عطس رجل من القوم فقلت: "يرحمك الله"، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: "ما شأنكم تنظرون إلي" فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فبأبي هو وأمي ـ ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ـ فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن".
أسباب الخطأ...
إن لارتكاب الأخطاء أسباب كثيرة قد يغفل عنها كثير من المعالجين والمقومين لذلك الموضوع, ويجب على الباحثين في هذا الشأن الاهتمام ببيان أهم تلك الأسباب ليسهل اجتنابها فيعينون الناس على اجتنابها ومن ثم تصحيح سبيلهم في التعاطي مع الأخطاء سواء كانت شخصية أو جماعية
أولا: ترك الاعتصام بمنهج الله الحق, ذلك الحصن الحصين والركن الركين والصراط المستقيم الذي لو اعتصمنا به لما خرجنا عن هدايته وانظر إلى قوله _تعالى_: " ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم " (سورة آل عمران آية101) ثم انظر إلى قوله _تعالى_: " واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير " (سورة الحج آية 78). قال العلماء في هذه الآية: يعنى متى اعتصمتم به تولاكم ونصركم على أنفسكم وعلى الشيطان وإن تركتم الاعتصام به خذلكم, والخذلان منه _سبحانه_ أن يكلك إلى نفسك ويخلى بينك وبينها, فترى المخطئ يتهاون في الاعتصام بأوامر ربه فيجره ذلك إلى الوقوع في المعصية والخطأ, ثم يكون خطؤه مركبا فخطأ التهاون بأمر ربه ثم خطأ الوقوع في الخطأ..!
ثانيا: الاستبداد بالرأي: وأعني به ذاك اليقين البالغ الذي يفتعله المرء عند اتخاذه لقرار عمل من الأعمال ضاربا عرض الحائط بكل رأي خالفه أو بأي اجتهاد سبقه أو بأي تجربة عرضت عليه, فهنا نريد أن نقول أن ذلك المنهج في التعصب والاستبداد بالرأي هو منهج لا ينتج غير الأخطاء المتكررة خصوصا إذا كان على مستوى المسئوليات العامة والمتخذة ممن استرعاهم الله رعية سواء كانت صغيرة أو كبيرة, أن اليقين الذاتي هو شعور داخلي لدى الفرد بأنه متأكد من هذا الشيء وهذا اليقين كثيراً ما يكون مضللاً، إذ أن شعورنا الداخلي قد لا يكون على أي أساس سوى ميولنا واتجاهاتنا الذاتية بعيدا عما ذكرنا من محددات اتخاذ القرارات الخاطئة، وهذا الأمر يزداد كلما ازداد الإنسان جهلاً وبعدا عن المنهج القويم أو سيطرت عليه الرغبات النفسية بشكل اكبر.
نلاحظ أن أكثر الناس يقيناً بأعمالهم هم عادة أكثر الناس جهلاً، لكن كلما ازداد المرء علماً تضاءل يقينه بالنسبة للكثير من الأمور وازداد استخدامه لألفاظ، مثل: من المحتمل، ومن المرجح، وأغلب الظن..، بل إن بعض المربين ( فيما يخص التجربة والسلوك ) قد لا تجد شيئاً يقينياً يجزم به في كلامه وكتاباته؛ لأنهم من خلال خبراتهم في الحياة يدركون أنهم مهما وصلوا إلى الحقيقة فإنه مجرد قطرة صغيرة من ذلك البحر المتلاطم المجهول، قال _تعالى_: "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون". (العنكبوت 43), لذلك كان قول: لا أعلم، دليل على علم العلماء, وكان رد تمام مآل الأمور إلى الله _سبحانه_ من تمام الإيمان, والمستبدون بآرائهم دوما هم طغاة مهما اختلفت مجالات طغيانهم.
ثالثا: التفكير النفعي: أو ما يطلق عليه البعض الرغبوي: وهو ذلك النوع من التفكير الذي توجهه الرغبات لا الوقائع وهو نقيض التفكير الواقعي والمنهجي الذي يبذل جهداً في معرفة الوقائع ويبحث في آثار السلوك ونتائجه السلبية والإيجابية ويقيس بينها ويوازن ويقوم, وهذا النوع من التفكير النفعي من المشكلات الأساسية التي تعرقل حيوية الأمة وتقدمها بل أنه يقودها للتراجع والتخلف؛ لأنه يرسم أفكار كل فرد أو جماعة وحسب مصالحه وأهدافه، وبالتالي فإن سلوكه الاجتماعي العام سوف يتشكل حسب هذا المنطلق لذلك تتعمق الانشقاقات واللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية والأنانية, ومن ثم يصعب حتى على كثير من المنادين بالوحدة والتعاون أن يطبقوا تلك الدعاوى تطبيقا واقعيا فالكل يريد نفسه القائد، والكل يريد نفسه الموجه والكل يرى أن السبيل الأوحد للوحدة هو أن يصير الجميع تبعا له!!
وقد يرسم ذلك المنهج في التفكير للإنسان واقعاً وهمياً يحلم به فيجعله يحلق من غير أجنحة حتى إن تيقظ سقط سقوطاً مريعاً، هذه الأفكار التي توجها الرغبات النفسية تحول الفرد إلى حالم بعيد عن الوقائع يعيش في أوهام تبعده عن مسؤولياته الحقيقية والتغييرية وتبرر له عزلته وانقطاعه, وكم رأينا من عالم سيطر عليه الخوف على نفسه أو سيطرت عليه الدنيا وزخارفها فنسي دوره وتخلى عن مسئوليته واختلق لنفسه الأعذار فنسيه التاريخ وسقط في حمأة الرغبة في المتاع..!
منقول ,,,,,,,,,,,,,