((((((.......الفرق بين المسلم والكافر......))))))
الله جل شأنه خلق كل شيء وأحسنه، قال تعالى: - { الذي أحسن كل شيء خلقه}.
وقدر وأراد أن يكون بعض خلقه أعلى من بعض، ففضل البشر على كثير من الخلق، قال الله تعالى: - {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}..
هذا التفضيل ليس للبشر فيه اختيار، بل إرادة إلهية محضة.
ثم إنه جل شأنه سن سننا، جعلها سببا في استمرار التفضيل أو عدمه، وهي شرائعه، التي جاء بها المرسلون، فمن آمن بها، وعمل بها، احتفظ بالتكريم والتفضيل، وازداد منه، ومن كفر بها، وردها، وأعرض عنها، حرم التفضيل، ورد أسفل سافلين، وكان أحط من البهائم، قال الله تعالى: - { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا * أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}.
إذن، الإنسان ولو كان مفضلا في أصل خلقته ووجوده، إلا أن بقاء هذا التفضيل مرهون بقيامه بما أمره الله به من الشريعة المنزلة بواسطة الرسول.. وهذا موضع الامتحان..
فإن كثيرا من الناس، وإن كان التفضيل قد تضمنهم وشملهم بغير اختيارهم، إلا أنهم ضيعوه، فحرموه باختيارهم، لما كفروا، فهذا حال أكثر الناس، وقليل منهم من احتفظ بالتكريم، كما قال تعالى: - {وقليل من عبادي الشكور}..
- { وما آمن معه إلا قليل}..
- {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}..
- { وكثير حق عليه العذاب}.
فالمحتفظون بالتكريم والباقون على التفضيل هم: المؤمنون بالله واليوم والآخر وجميع الرسل والكتب؛ الموحدون لله تعالى وحده بالعبادة دون شريك..
وهم أهل الإسلام، أتباع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، النبي الخاتم، والرسول إلى الناس كافة، قال تعالى: -{وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}.
والمضيعون للتكريم والمحرمون من التفضيل هم: الكافرون بالله واليوم الآخر، والمنكرون لرسالات الرسل وكتبهم، أو المنكرون لبعضهم؛ المشركون بالله تعالى في العبادة..
من مثل اليهود والنصارى والوثنيين ونحوهم، الذين لا يقبل الله منهم البقاء على دينهم، بل لا يقبل منهم إلا الإسلام، كما قال تعالى: - {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين}.
ولما كان الأمر كذلك انقسم البشر إلى قسمين: مؤمنين، وكافرين؛ قال الله تعالى:
- {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن}..
- {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.
والله تعالى مايز بين الفريقين، وفرق بينهما، فلم يجعل هؤلاء كهؤلاء، بل رفع فريقا، هم المؤمنين، وخفض فريقا، هم الكافرين، فقال تعالى:
- {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون}.
- {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}.
- {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون}.
* ثم إن الله تعالى اختص المؤمنين بأنواع من الأحكام والثواب الدنيوي والأخروي بما لم يظفر بمثلها الكافرون المعرضون، جزاء وفاقا، مما دل على أن المسلم شأنه عند الله تعالى أعظم من الكافر، وذلك في الدارين.. فمن ذلك، من أحكام الدنيا:
أن الأصل في دمه ماله وعرضه العصمة الكاملة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) . - ( لا يحل دم امريء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة) ..
فحرمته أعظم من حرمة الكافر، ودمه أغلى من دم الكافر، وهذا الحكم عام في جميع المسلمين، بغير فرق، كما في الحديث: - ( المؤمنون تكافأ دماؤهم) .
قال صلى الله عليه وسلم مبينا حرمة المؤمن محذرا من ظلمه وأذاه:
- ( يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله) .
فحرمته أعظم من كل شيء، حتى الكعبة، عن ابن عمر رضي الله عنه أنه نظر يوما إلى البيت أو الكعبة فقال: -" ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك" .
ولقد بلغت حرمة المؤمن أن صار دمه يكافيء دماء جميع من في الأرض، إذا سفكوا دمه بغير حق، قال الله تعالى: -{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}.
وقال عليه الصلاة والسلام: - ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم).
-( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله عز وجل في النار) .
وليس للكافر شيء مما سبق..
*
فقد ثبت أن المؤمن أجل عند الله تعالى وأعظم من الكافر، فلا مقارنة بينهما، فالمؤمن إذن، خير شيء على وجه الأرض، وخير بني آدم، وله حرمة عظيمة، تشمل كل عضو من أعضائه، حيا وميتا، قال الله تعالى: - {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص} .
وكما أن نفسه محرمة، كذلك جوارحه، فالعينان والأذنان واليدان والرجلان والشفتان، وكل شيء فيه اثنان، ففيهما الدية كاملة، كالنفس تماما، وواحدة فيها النصف، والأعضاء التي ليس لها ثان كالأنف واللسان والذكر والعقل، فيها الدية كاملة .
بل لقد بلغ الأمر أن منع الإنسان نفسه من التصرف في نفسه وبدنه بشيء من قتل أو تعذيب أو تبرع، فهو لا يملكها، بل هي أمانة عنده، قال صلى الله عليه وسلم: - ( من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها بطنه، في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) .
قال الإمام الشاطبي:" إحياء النفوس وكمال العقول والأجسام من حق الله تعالى في العباد، لا من حقوق العباد، وكون ذلك لم يجعل إلى اختيارهم هو الدليل على ذلك، فإذا أكمل الله تعالى على عبد حياته وجسمه وعقله الذي به يحصل ما طلب به من القيام بما كلف به فلا يصح للعبد إسقاطه" .
تلك الحرمة باقية حتى في حال الموت، كما قال صلى الله عليه وسلم: - (كسر عظم الميت مثل كسر عظم الحي) .
قال الإمام القرطبي: " إذا وجد المضطر ميتة وخنزيرا ولحم ابن آدم، أكل الميتة لأنها حلال في حال، والخنزير وابن آدم لا يحل بحال.. ولا يأكل ابن آدم، ولو مات، قال علماؤنا: وبه قال أحمد وداود" .
وفي المغني: " إن وجد المضطر معصوما ميتا لم يبح أكله في قول أصحابنا" .
وتميز المسلم وتفضيله لم يقتصر على الأحكام الحسية، بل شملت الأحكام النفسية والروحية، فالله تعالى يهب المؤمن طمأنينة لا يجدها الكافر في الدنيا ولا في الآخرة، قال تعالى: - { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينة حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} .
أما الكافر فعلى العكس من ذلك، قال تعالى: -{ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} ..
- {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} .
وذلك في الدنيا..
أما في الآخرة، فليس للكافر إلا النار، أما المسلم فله الجنة ورضوان الله تعالى، في حياة أبدية، وفيها يظهر العدل والتفضيل بصورته الحقيقية، دون غبش أو تلفيق، كما يحدث في الدنيا، فالمؤمن في الدنيا قد يكون مقهورا محروما من حقوقه، بسبب تسلط الكفر، لكن في الآخرة ليس إلا العدل والميزان، قال تعالى: - { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} .
*
وإذا ثبت الفرق بين الفريقين، وجب يقينا أن يعلم أن المسلم ليس كالكافر في شيء أصلا، ولا يساويه في شيء، فإذا هو كذلك، فباطل أن يكافأ دمه بدمه، أو عضوه بعضوه، أو بشرته ببشرته، فبطل أن يستقاد للكافر من المؤمن، أو يقتص له منه، إذ لا مساواة بينهما أصلا، والله تعالى يقول: - {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، فلما منع الله عز وجل أن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، وجب ضرورة أن لا يكون له عليه سبيل في قود، ولا في قصاص، أصلا.
ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: - ( لا يقتل مسلم بكافر) [البخاري، كتاب الديات، باب: لا يقتل مسلم بكافر]
وقد ذهب جمهور العلماء إلى منع قتل المسلم بالكافر، بغير خلاف بين الذمي والحربي، وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: يقتل بالذمي، ولا يقتل بالمستأمن، وذهب مالك إلى أنه لا يقتل المسلم بالذمي إلا أن يقتله غيلة أو حرابة .
والقول ما قاله جمهور العلماء، وذلك من وجوه:
1- أن الأدلة التي استدل بها القائلون بقتل المسلم بالكافر أدلة ضعيفة، وآثار لا تثبت.
2- أن الأدلة التي استدل بها جمهور العلماء، القائلون بمنع قتل المسلم بالكافر أدلة صحيحة باتفاق الجميع، جاءت في صحيح البخاري وغيره من الصحاح.
3- أن من المقرر عند أهل الفقه أن الحدود تدرأ بالشبهات، فالشبهة تمنع من إقامة الحد، حتى لا يقام الحد إلا بيقين، لأن فيه إتلاف للبدن، وإذا نظرنا في الآثار التي وردت في قتل المسلم بالكافر نجدها ضعيفة لا تثبت، فلا يجوز استحلال دم المسلم بمثل تلك الآثار الضعيفة، فقد احتجوا بحديث ابن البيلماني عن ابن عمر قال: - (قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما بكافر، وقال: أنا أولى من وفى بذمته).
قال الدارقطني: إبراهيم ضعيف، ولم يروه موصولا غيره، والمشهور عن ابن البيلماني مرسلا.. قال ابن حجر: وابن البيلماني ضعفه جماعة، ووثق، فلا يحتج بما ينفرد به إذا وصل، فكيف إذا أرسل، فكيف إذا خالف؟ قاله الدراقطني..
وقال أبو عبيد: وبمثل هذا السند لا تسفك دماء المسلمين .
4- الأصل أن المسلم لا يقتل بالكافر، لكون الله تعالى حكم بعدم المساواة بينهما، كما في الآيات السابقة، ولأن النصوص الصحيحة الصريحة تقضي بعدم قتل المسلم بالكافر، فلا يترك هذا الأصل إلا بيقين.
فثبت بهذا أن المسلم لا يقتل بالكافر بحال..
وليعلم أن الخلاف لا يعني جواز الأخذ بأي قول من الأقوال الواردة، فما من مسألة إلا وقد وقع فيها خلاف، ولو كان صوابا أن يأخذ المسلم بأي قول دون النظر إلى الأدلة، لأوشك أن يتحلل من الدين، فمن من عالم إلا وقد أخطأ، فمن الخلل اتباعه في خطئه، ولكن العبرة بالدليل الثابت، فإذا ثبت الدليل، فلا عبرة حينئذ بأي قول خالف الدليل، ولو كان قائله عالما، وفي مسألة قتل المسلم بالكافر فإن الدليل ينصر بوضوح وصراحة قول القائلين بمنع قتل المسلم بالكافر، كيف وفوق ذلك هو قول جمهور العلماء؟..
والقاعدة: أنه إذا اختلف الناس في مسألة فالقول ما قاله الجمهور.
--------------------------------------------------------------------------------