عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2014-11-08, 12:45 AM
هدى وهداية
مشرفة سابقة
الصورة الرمزية هدى وهداية
رقم العضوية : 163352
تاريخ التسجيل : 1 - 1 - 2012
عدد المشاركات : 12,760

غير متواجد
 
افتراضي عصاك التي لا تعصاك ..
عصاك التي لا تعصاك


يرى رجل الأعمال التركي الراحل، صبري أولكر، أن جُل نجاحه يعود إلى أفكار موظفيه. فقد كان يضع في كل مكتب من مكاتبهم لافتة تقول: "نختلف معا؛ لننجح معا". كان يهدف صبري - رحمه الله - إلى تذكيرهم بأهمية الاختلاف بين موظفيه وعدم طغيان صورة نمطية واحدة في شركته المتخصصة في الأغذية.
لم يكن الأمر سهلا على صبري. فلقد أسهم أسلوبه في احتجاج عديد من موظفيه على عديد من القرارات التي أصدرها. لكن في النهاية اتخذ قرارات بروح جماعية انعكست إيجابيا على معنويات الموظفين وعوائد الشركة وأسهمها. شعر الموظفون إبان إدارته أن لهم رأيا وقيمة وليسوا مجرد مكائن تقوم بتنفيذ التوجيهات والتعليمات ميكانيكيا. حفزت هذه السياسية الموظفين على البحث والتقصي والنقاش في سبيل منتجات ونكهات وخطوات جديدة.

عمل صيري على تكريس ثقافة الاختلاف في مناحي عمله كافة. فرغم أنه كان ملتزما دينيا لكنه لم يغلق باب مصانعه أمام أي شخص موهوب يملك رغبة في الإنتاج والتغيير مهما كانت خلفيته الدينية ومواقفه السياسية. كان يشدد على أن التنوع في الفكر والرأي له دلالات عميقة، ويستشهد بالآية الكريمة التي تتصدر التقرير السنوي لشركته في كل عام (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ).
استطاع صبري أن يصنع امبراطورية عظيمة تمتلك 54 مصنعا وعائدات تتجاوز عشرة مليارات دولار إثر سياسته الجديرة بالتأمل. فقد كان يؤمن أن الضجيج ليس الخارجي وإنما الضجيج الداخلي. إذ كان يرفض الحوارات الإعلامية المتكررة بينما يشجع على الحوارات الداخلية. فالأنهار العميقة لا تصدر ضجيجا لكن أثرها وتأثيرها بالغان.
نجحت ثقافة اختلاف صبري في أن تجعل منتجات أولكر وبسكويته ذي الغلاف الأحمر يدخلان ملايين المنازل في الشرق والغرب. مات وبقيت منتجاته مصدر تقدير رغم تعدد الشركات المنافسة.
يحزنني حقا ونحن نشاهد هذا النهج اللافت بعض أساليب رجال الأعمال في بلادنا التي كرست الصوت الواحد في شركاتها بسبب سياسة الإقصاء. أصبح الكثير من الموظفين العرب يرددون على مسامع رؤسائهم: "نحن عصاك التي لا تعصاك" إيثارا للسلامة، فأضحت شركات تقليدية بائسة تحرق الموظفين وتلتهم مشاعرهم وأرواحهم. لا يشعر الموظف بانتماء حقيقي لها. ينتظر أقرب مخرج كي ينقذ نفسه من التفحم داخلها.


م/ن