4-إمطار الحجارة من السماء:
لقد اخبر الله تبارك وتعالى عن قوم لوط كيف أمطر عليهم الحجارة من السماء فقال عز وجل : }فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ %مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ{ (69) وتأمل قوله عز وجل:} وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ{ !! قال القاسمي في تفسيره: فيه وعيد شديد لأهل الظلم كافة0 (70) وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن أبي حاتم عن قتادة قال (وما هي من الظالمين ببعيد ) من ظالمي هذه الأمة . (71)
وكذلك فعل الله بجيش ابرهة الأشرم وآلي اليمن من قبل ملك الحبشة قد رأى أن يبني بيتا في صنعاء اليمن يدعون العرب إلى حجه بدل حجهم البيت الحرام ولقصد من ذلك تحويل التجارة والمكاسب من مكة إلى اليمن وعرضها على الملك الحبشي فوافق وسره ذلك ولما بني البيت (الكنيسة) وسماها القليس لم يُبني مثلها في تاريخها جاء رجل قرشي فتغوط فيها ولطخ جدرانها بالعذرة غضباً منها فلما رآه أبرهة الأشرم بتلك الحال استشاط غضباً وجهّز جيشاً لغزو مكة وهدم الكعبة وكان معهم ثلاثة عشر مقاتل ومن بينهم فيل يدعى محمود وهو أكبرهم وساروا ما وقف في وجههم حي من أحياء العرب إلا قاتلوه وهزموه حتى انتهوا إلى قرب مكة وجرت سفارات بينهم وبين شيخ مكة عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم وانتهت المفاوظات بأن يرد ابرهة ابل عبد المطلب ثم هو وشأنه بالكعبة ، وأمر رجال مكة أن يخلوا البلد ويلحقوا برؤوس الجبال بنسائهم وأطفالهم خشية المعرة تلحقهم من الجيش الغازي ، وما هي إلا أن تحرك جيش أبرهة ووصل إلى وادي محسّر وهو في وسط الوادي سائراً وإذا بفرق من الطير فرقة بعد أخرى ترسل على ذلك الجيش الواحدة ما بين الحمّصة والعدسة في الحجم وما تسقط الحجرة على رجل إلا ذاب وتناثر لحمه فهلكوا ،وفر ابرهة ولحمه يتناثر فهلك في الطريق .وكانت هذه نصرة من الله لسكان حرمه وحماة بيته ومن ثم مازالت العرب تحترم الكعبة والحرم وسكانه إلى اليوم(72). وهذه الحادثة كانت في نفس العام الذي ولد فيه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيها دلالة واضحة على قوة الجبار عز وجل، وانتقامه المهلك لكل طاغ وباغ ومتكبر، مما يجعل جنده وأوليائه يركنون إلى الثقة والطمأنينة بنصره: }أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ{ (73)
إن إمطار الحجارة من السماء وان كان قد حدث لبعض الظالمين من الأمم السابقة إلا أن الله عز وجل قد توعد به المشركين من هذه الأمة مما يدل على إمكانية حدوثه كما قال عز وجل } أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً{(74)
فقد اخرج ابن جرير الطبري عن قتادة انه قال :الحاصب حجارة من السماء 0(75) واخرج ابن المنذر* عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية قال:الحاصب مطر الحجارة . (76) وقد أخبرالرسول صلى الله عليه وسلم انه سوف يحدث في أخر هذه الآمة ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون في آخر هذه الآمة خسف ومسخ وقذف، قالت قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال:نعم إذا ظهر الخبث) (77) وقال صلى الله عليه وسلم : ( بين يدي الساعة مسخ وخسف وقذف ) (78) والقذف هو الرمي بالحجارة كما قال المباركفوري في تحفة الأحوذي ، ومحمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على سنن ابن ماجه0 (79)
وهذا مما يجعل إمكانية نصر الله لأوليائه وعباده الصالحين بمثل هذا النوع من السلاح وارداً وممكناً عقلا وشرعا
5-الصواعق المحرقة :
ومما يؤيد الله به أوليائه ويعذب به أعدائه الصواعق وهي : الصوت الشديد يكون معه نار يرسلها الله مع الرعد الشديد فلا تقع على شيء إلا أحرقته. (80) قال الله عز وجل:}هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) %وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ{ (81) وقد اهلك الله بها أهل العناد ممن كذبوا نبي الله (هود) وهم عاد وكذلك ممن كذب نبي الله (صالح)وهم ثمود كما قال الله عز وجل: }فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ{ (82) وفي هذه الآية تهديد واضح للمشركين من هذه الأمة ، فإن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، إي قل يا محمد للمشركين الذين يعرضون عن الحق أنذرتكم أن تحل بكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، وهذا من أشد الوعيد الذي خافت منه قريش ووجلت منه قلوبهم كما في قصة عتبة بن ربيعة حينما أرسلته قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يفاوضه ، فقد روى الإمام عبد بن حميد في مسنده بسنده عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال:« اجتمعت قريش يوما فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه، فقالوا ما نعلم أحدا غير عتبة ابن ربيعة، فقالوا يا أبا الوليد فأتاه عتبة فقال يا محمد أنت خير أم عبد الله فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أنت خير أم عبد المطلب فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم إنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومها منك، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا وفضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا وأن في قريش كاهنا والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون اغنى قريش رجلاً واحداً وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجنك عشرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغت قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم} حتى بلغ {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فقال عتبة حسبك حسبك ما عندك غير هذا قال لا فرجع إلى قريش فقالوا ما وراءك فقال ما تركت شيئا أرى أن تكلموه إلا قد كلمته قالوا فهل أجابك قال نعم قال لا والذي نصبها بَيِّنَة ما فهمت شيئا مما قال غير أنه قال {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} قالوا ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال قال لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة» صحيح السيرة النبوية للالباني ص159
وفي هذه دلالة واضحة على إمكانية أن يرسلها الله على أعدائه فتكون من جملة الأسلحة التي يؤيد الله بها عباده الصالحين .