رابعاً : أسباب السماوات والأرض .
ومما ينصر الله به عباده المتقين أن يسخر لهم أسباب السماوات والأرض التي لا يحيط بعلمها إلا هو عز وجل.
ومن هذه الأسباب :
1-الريــــــح :
الريح من جنود الله تعالى التي لا يقاومها شيء، فإذا خرجت عن سرعتها المعتادة - بإذن ربها- دمرت المدن وهدمت المباني واقتلعت الجبال والأشجار ،وقد سماها الله عز وجل (عاتية) في قوله : } وأما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية{ قال مجاهد:العاتية التي عتت عن الطاعة فكأنها عتت على خزانها ، فلم تطعهم ولم يقدروا على ردها لشدة هبوبها . (48) فقد اهلك الله بها قوم عاد.
وفي الحديث المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال لأصحابه: (ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم فيها أحد، فمن كان له بعير فليشد عقاله) فهبت ريح شديدة،فقام رجل، فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء. (49)
بل إن الريح قد قاتلت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق. كما قال اللهعز وجل: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً{. (50).
قال مجاهد : هي الصبا ، أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى ألقت قدورهم ونزعت فساطيطهم .
ويدل على هذا ما ثبت عند مسلم انه صلى الله عليه وسلم قال : (( نصرتُ بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور )) (51) .
وقد روى مسلم ايضاً في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رجلاً قال له: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلت معه وأبليت ،فقال له حذيفة:أكنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديد وقر..إلى أن قال حذيفة كما في رواية يونس بن بكير عن زيد بن اسلم:.. وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً ، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم ، الريح تضربهم بها ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتصفت الطريق إذ أنا بنحو من عشرين فارساً معتمين (( وهم من الملائكة )) فقالوا:أخبر صاحبك أن الله عز وجل كفاه القوم(52)
وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يرسلها (أي الريح)على قوم من هذه الأمة قد تمادوا في غيهم وعصيانهم فتهلكهم، كما في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب ولهو ولعب، ثم يصبحون قردة وخنازير ،ويُبعث على أحياء من أحيائهم ريح،فتنسفهم كما نسفت من كان قبلكم ،باستحلالهم الخمر، وضربهم بالدف ،واتخاذهم ألقينات)(53)
2-الزلازل:
الزلازل من اشد الأسباب الطبيعية التي يقدرها الله تعالى تخويفاً لعباده كما قال عز وجل : }وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً{ (54) وقال عز وجل :}قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ{ (55) والعذاب الذي يكو ن من فوق هو الصيحة أو الحجارة والذي من تحت هو الرجفة (الزلازل ) والخسف كما ذكر الاصبهاني في تفسيره عن مجاهد0(56) قال العلامة ابن القيم رحمة الله وقد يأذن الله عز وجل للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك لعبادة الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه والندم كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض:أن ربكم يستعتبكم .
وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وقد زلزلت المدينة :[لان عادت لا أساكنكم فيها] (57)
فإذا علم أن الزلازل الهائلة إنما تحدث بأمر ربها، بل وقد اهلك الله بها ثمود-قوم صالح عليه السلام-كما قال عز وجل:} فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ{(58)
قال الشوكاني : (فأخذتهم الرجفة) أي الزلزلة0 (59)
وهي من أوضح الدلالات على عظمة الجبارعز وجل وضعف جبابرة الأرض مهما أوتوا من قوة.
كيف وهي في بضع ثواني تهلك مئات الألوف من الناس
*ففي مدينة تانجشان الصينية وقع زلزال في 14/11/1383هـ الموافق 27/مارس آذار/1964م وقع ضحيته 500.000 نسمة0
*ووقع زلزال في العاصمة اليابانية في 24/2/1324هـ الموافق 18/أبريل نيسان/1906م راح ضحيته 142000 نسمة0
*ووقع زلزال في مدينة بآم الإيرانية في 3/11/1424هـ الموافق 26/ديسمبر 2004م راح ضحيته 50,000 نسمة0
*ووقع زلزال في إقليم جيلان بإيران في 17/3/1410هـ الموافق 17/اكتوبر1989 م راح ضحيته 40,000 نسمة0
*ووقع زلزال في ولاية جو جارات الهندية في 18/10/1421هـ الموافق13/يناير2001 م راح ضحيته 30,000 نسمة0 (60)
3-الخسف
مما توعد الله به الظالمين الخسف وهو:أن يذهب جزء من القشرة الأرضية ويغيب في الأرض ، يقال خسف المكان خسوفا إذا ذهب في الأرض وغاب فيها.(61)
كما قال عز وجل : } أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (62) وقالعز وجل:} وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ % فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{ (63) وقال عز وجل :( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ{ (64) فهذا قارون ماذا قال الله فيه ؟قال عز وجل : } فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ { (65).
قال ابن كثير : لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى اِخْتِيَال قَارُون فِي زِينَته وَفَخْره عَلَى قَوْمه وَبَغْيه عَلَيْهِمْ عَقَّبَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ خَسَفَ بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْض.
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عِنْد الْبُخَارِيّ ومسلم أَنَّ رَسُول اللَّه قَالَ صلى الله عليه وسلم :بَيْنَمَا رَجُل يَجُرّ إِزَاره إِذْ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَل فِي الْأَرْض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. (66)
وفي صحيح مسلم عن أم المؤمنين عايشه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(سيعوذ بهذا البيت يعني الكعبة قوم ليست لهم منعه ولا عدد ولا عدة يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم )0 (67)
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(يشرب ناس من أمتي الخمر ، يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات ، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير) (68)
ومما تقدم ، يتبين أن الله سبحانه وتعالى يجعل الخسف على أعدائه نصرة لأوليائه من الأنبياء والصالحين، بل وقد يأخذ الله به بعض العصاة إذا تمادوا في غيهم وضلالهم عياذا بالله0
وهذا مما يجعل أهل الحق على ثقة بربهم فيعلمون أن قوى الأرض أحقر من أن يؤبه بهم إذا كان الله معهم يسخر لهم أسباب السماوات والأرض التي لا طاقة لقوة من قوى البشر بشيء منها مهما بلغت قوتها .