إذاً مواجهة أهل الأيمان لعدوهم الذي يتفوق عليهم بالعدة والعدد مهما كان الفارق بينهم ومهما ملك العدو من وسائل الحرب المتطورة ليس من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة إذا بذلوا ما في وسعهم لإعداد العدة (الحسية والمعنوية) لمواجهة عدوهم ولو كان شيئاً يسيراً فإن الغلبة والنصر إنما هي من عند الله كما قال عز وجل : }وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{ (8) ويزيد الأمر وضوحاً إذا عرف المؤمن أن معادلة القوة تكون لصالحه إذا كان يملك ( إلى جانب ما يستطيع أن يعده من القوة الحسية ) ، تلك الأسلحة التي لا يمكن لقوى الأرض كلها أن تقف أمامها وهي ما يمكن أن نسميها ( الأسلحة التي لا تصنعها الحضارات ) ونقصد بها :
أولاً : معية الله لعباده المؤمنين :
لا شك أن ميزان القوى ومعادلة التكافؤ بين الأطراف المتحاربة تخضع لمن يناصر كل طرف، ومن يقف بجانبه ويؤيده، وإن كان بمجرد التأييد العاطفي والتشجيع المعنوي! فكيف تكون المعادلة إذا كان الله جل وعلا مع أهل الإيمان يؤيدهم وينصرهم؟! كما قال عز وجل : }وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ (9) 0 وقال اللهعز وجل (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ{ (10) وقال عز وجل:}إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ{ (11)
(فهو معهم عز وجل بالإعانة والرعاية والكفاية والنصر والتأييد والهداية والتوفيق والتسديد وغير ذلك مما تجفو عبارة المخلوق عنه ويقصر تعريفه دونه، وهذه هي معية الله الخاصة لأحبابه وأوليائه ). (12) ومن كان الله معه كان النصر حليفه مهما ملك عدوه من قوة ، وأصبح ذلك العدو أحقر من الذباب في نظره وإن كانت كل الأسباب المادية في يده ، كما قال موسى عليه السلام حينما خرج فرعون بغطرسته وجنوده يطاردونه هو والقلة المؤمنة معه ، حتى قال فرعون : }إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ{ (13) وهذه المفارقة العظيمة بين الطرفين جعلت بعض من كان مع نبي الله موسى عليه السلام يقول : ( إنّا لمدركون ) كما قال عز وجل:} فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{ (14) ولكن موسى عليه السلام لما كان يعي حقيقة المعادلة } قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ{ (15) ثم قال الله عز وجل بعد ذلك : }وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ،إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ{ (16)
وكذلك نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم حينما خرجت قريش بغطرستها وكبريائها تطارده صلى الله عليه وسلم فأوى إلى الغار ومعه صاحبه الصديق رضي الله عنه ، وما كانا يملكان من القوة المادية شيئاً يذكر ، حتى خاف أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى أن القوم قد وصلوا إليهم ولكن الثقة بموعود الله جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن صاحبه ويقول : } لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا {(17) كما قال : عز وجل } إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ (18)
وحينما تمتلئ قلوب أهل الأيمان يقينا بأن الله معهم لم يأبهوا بعدوهم مهما يكن معه من قوة، وقد اخبرنا الله عز وجل في كتابه العزيز عن هذا النوع من الناس فقال:
}فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ % وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ % فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ{ (19)