عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 138  ]
قديم 2014-08-19, 12:55 AM
غيمة النور
عضو متميز بالمنتدى
رقم العضوية : 187738
تاريخ التسجيل : 6 - 12 - 2013
عدد المشاركات : 751

غير متواجد
 
افتراضي

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مها

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سؤال الخميس ( 26 رمضان 1435 هـ - 24 يوليو 2014مـ )

قال تعالى:


" وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً "- سورة الفرقان: 63

المطلوب شرح الآيات شرحا وافيا، وإضافة بعض لمساتكم الخاصة، وتقديم معناها بطريقة مؤثرة.

بالتوفيق للجمع.
الشرح :

/ تفسير السعدي :

( وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)
العبودية لله نوعان: عبودية لربوبيته فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا ولهذا أضافها إلى اسمه " الرحمن " إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت، فوصفهم بأنهم { يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا } أي: ساكنين متواضعين لله والخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده. { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ } أي: خطاب جهل بدليل إضافة الفعل وإسناده لهذا الوصف، { قَالُوا سَلَامًا } أي: خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله. وهذا مدح لهم، بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالإحسان والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال


2/ تفسير ابن كثير :

( وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)
هذه صفات عباد الله المؤمنين ( الذين يمشون على الأرض هونا ) أي : بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار ، كما قال : ( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) [ الإسراء : 37 ] . فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح ، ولا أشر ولا بطر ، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع تصنعا ورياء ، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وكأنما الأرض تطوى له . وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع ، حتى روي عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا ، فقال : ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال : لا يا أمير المؤمنين . فعلاه بالدرة ، وأمره أن يمشي بقوة . وإنما المراد بالهون هاهنا السكينة والوقار ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " .
وقال عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن يحيى بن المختار ، عن الحسن البصري في قوله : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) قال : إن المؤمنين قوم ذلل ، ذلت منهم - والله - الأسماع والأبصار والجوارح ، حتى تحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ، وإنهم لأصحاء ، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ، فقالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن . أما والله ما أحزنهم حزن الناس ، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة ، أبكاهم الخوف من النار ، وإنه من لم يتعز بعزاء الله تقطع نفسه على الدنيا حسرات ، ومن لم ير لله نعمة إلا في مطعم أو في مشرب ، فقد قل علمه وحضر عذابه .
وقوله : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) أي : إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ ، لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ، ولا يقولون إلا خيرا ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ،


تأملات في هذه الاية :


قال الله تعالى-: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ إلى قوله .. ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ الفرقان:63-76 .
في هذه الآيات الكريمة من خواتيم سورة الفرقان، يصف الله -عز وجل- أحوال عباده الذين شرفهم بنسبهم إليه،وعباد الرحمن هم العباد الذين شرفوا بالانتساب إلى الله ؛ فإذا كان هناك عبيد الشيطان والطواغيت ، وعبيد الشهوات ، فهؤلاء عبيد الله ، وانتسابهم إلى الله باسمه الرحمن إشعار بأنهم أهل لرحمة الله عز وجل ،وقبل هذه الآيات قوله تعالى (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تآمرنا وزادهم نفورا)الفرقان 60
فإذا كان هؤلاء يجهلون ماالرحمن ،فإن هناك أناسا يعرفون الرحمن ، ويقدرونه حق قدره ، ويؤدون له حقه ، فهم عباده الذين شرفوا بالانتساب إليه ؛ وها هي صفاتهم وخصالهم لمن أراد أن يلتحق بركبهم ، فقول الواحد منا أنا من عباد الرحمن دعوى تحتاج إلى برهان ، إلى أفعال إلى صفات نتحلى بها .

وهذه الصفات :
1- التواضع والسكينة :
أول هذه الأوصاف أنهم يمشون على الأرض هونا ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ أي: بسكينة ووقار وتواضع وبغير تجبر ولا استكبار.
لكن لماذا جعلها الله أول صفة لعباده ؟
لأن المشية غالبا ما تعبر عن صاحبها ، عن شخصيته وما يستكن فيها من مشاعر وأخلاق ، فالرجل له مشية والمرأة لها مشية أخرى ، والمتكبرون لهم مشية ، والمؤمنون المتواضعون لهم مشية ، والصحيح السليم له مشية ، والمريض العليل له مشية .... وهكذا كل يمشي معبرا عما في ذاته .
فعباد الرحمن يمشون على الأرض هونا ، متواضعين هينين لينين ، بسكينة ووقار لا بتجبر واستكبار ، لا يستعلون على أحد ولا ينتفخون كأحد الذين يمشون فيقول: (يا أرض انهدي ماعليك قدي)
وقد نهانا الله عن هذه المشية فقال (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) الإسراء 37
نعم فمهما دببت في الأرض فلن تخرقها ، ومهما تطاولت بعنقك ، فلن تبلغ الجبال طولا!!
وفي وصايا لقمان لابنه (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) لقمان 19،18
( ولا تصعر خدك للناس ) لا تكلمهم وأنت عنهم معرض ولا تجعلهم يكلمونك وأنت معرض عنهم ، بل أقبل عليهم ووجهك منبسط إليهم .
(ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور) المختال الذي يظهر أثر الكبر في أفعاله والفخور الذي يظهر أثر الكبر في أقواله ...يقول أنا فلان وابن فلان .....فالله لا يحب الصنفين معا المختال والفخور ، إنما يحب المتواضع الذي يعرف قدر نفسه ، ولا يحتقرأحدا من الناس .
(الذين يمشون على الأرض هونا ) ليس المقصود أنهم يمشون متماوتين كالمرضى كما يفعل البعض ذلك وفي ظنه أن هذا من التنسك والزهد ...
كلا فما كان النبي ولا أصحابه يفعلون ذلك ، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى فكأنما ينحط من صبب(كأنما ينزل من مرتفع إلى منحدر يعنى يمشى على أطراف أصابعه كما يفعل الرياضيون الآن ) فهذه مشية أولى العزم والهمة والشجاعة .
يقول أبي هريرة (ما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله كأنما الأرض تطوى له ، وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث ) فلم يكن متماوتا ولا بطيئا إنما مشيه وسط بين السرعة والبطء .
وهكذا كان عمر لما رأى شابا يتماوت في مشيته فقال : أأنت مريض ؟ قال ما أنا بمريض ، قال : إذا فلا تمش هكذا .
ورأى رجلا يصلى وقد جعل رأسه في صدره فقال ياهذا لا تمت علينا ديننا ... ارفع رأسك فإن الخشوع في القلب وليس في الرقبة .
ورأت الشفاء أم عبد الله شبانا يمشون متماوتين ؛ فسألت عنهم من هؤلاء ؟ فقيل لها : هؤلاء نساك – عباد ....قالت رحم الله عمر لقد كان إذا مشى أسرع ، وإذا تكلم أسمع ، وإذا ضرب أوجع ؛ وكان الناسك حقا .
إذن فلا تماوت ولا اختيال وتفاخر ، وإنما سكينة وتواضع

التحذير من الكبر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال عليه الصلاة والسلام إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس ) رواه مسلم

و غمط الناس هو الاحتقار وبطر الحق هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا.

فالمسلم ينبغي أن يكون نموذج للتواضع وخفض الجناح، فلا يغتر بعلم، ولا مال
، ولا جاه ، بل كل شيء محض فضل من الله، وكرم لما يحمل من خير.

و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مانقص صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) رواه مسلم

يروى أن مطرف بن عبد الله بن الشخير رأى المهلب ( وكان من كبار القادة العسكريين ) وهو يتبختر في جبة فقال‏:‏ يا عبد الله هذه مشية يبغضها الله ورسوله فقال له المهلب‏:‏ أما تعرفني فقال بلى أعرفك أولك نطفة مذرة وآخرتك جيفة قذرة وأنت بين ذلك تحمل العذرة‏!‏ فمضى المهلب وترك مشيته تلك‏.‏

وقال بعض السلف (عجبت لمن خرج من مجرى البول مرتين علام يتكبر؟!!)

ومعنى كلامه أنه خرج من أبيه نطفة ، ثم خرج من فرج أمه مولودا صغيرا .

فاعرف قدرك أيها الإنسان ، فمن تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه الله .

اللهم اجعلنا من المتواضعين ولا تجعلنا من المتكبرين آميـــــــن

هذه أول صفات عباد الرحمن .

أما الثانية فهي (الحلم )

وكأنه لما ذكر حالهم مع أنفسهم وأنهم متواضعين غير مستعلين ولا مستكبرين ؛ ذكر حالهم مع الناس وخاصة مع أهل الجهل والسفه فقال : ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ أي: إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ لم يردوا عليهم بمثله، بل يصفحون ولا يقولون إلا خيرًا كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تزيده شدة الجاهل إلا حلمًا.
فهم لا يردون السيئة بالسيئة، وإن كان هذا من حقهم ، إنما يقولون قولا سديدا يليق بحالهم وسمتهم .

والجهل هنا في الآية ليس هو الجهل ضد العلم ؛ إنما هو من الجهل ضد الحلم

فالجاهل في نظر القرآن الكريم هو من عصى الله وغلب اتباع الهوى على الحق ، حينما راودت النسوة يوسف عن نفسه قال : ( وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) يوسف 33

وموسى حينما أخبر قومه بأمر الله أن يذبحوا بقرة (قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) البقرة 67

أي ممن يهزأون في موضع الجد أو يتكلمون بالسخرية في موضع الحق فهذا شأن الجاهلين ، وعلى هذا فالجاهل هو العاصي لأنه جهل عظمة ربه ، وهو السفيه قليل العقل سيء الخلق .

فعباد الرحمن لا يشغلون أنفسهم في معركة مع الجاهلين ، فهم ينزهون أنفسهم عن الرد على هؤلاء .

وللنبي -صلى الله عليه وسلم- مشاهد كثيرة في حلمه على الناس وفي دفع السيئة منهم بالحلم منه -صلى الله عليه وسلم- فيقابل السيئة بالحسنة، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتقاضاه فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً).

كذلك في الحديث المتفق عليه عن أنس -رضي الله عنه- قال: (كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء).
ويروي عن الحسن أن رجلاً قال : إن فلاناً قد اغتابك ، فبعث إليه طبقاً من الرطب ، وقال : بلغني أنك أهديت إليّ حسناتك ، فأردت أن أكافئك عليها ، فاعذرني، فإني لا أقدر أن أكافئك بها على التمام.

نسأل الله أن يرزقنا الحلم والعلم والتواضع وسعة الصدر


توقيع غيمة النور
وأفوض أمري إلي الله ،، توكلت على الحي القيوم ،، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ..

الهي أعلم يقيناً بإني سأفرح سأسعد سأشفى سأرضى سأرزق بقدرتك ورحمتك قريباً جداً ..




الثقة بالله واليقين هما الحل لجميع مشاكلنا بإذن الله