المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤال الجمعة ( 6 رمضان 1435 هـ - 4 يوليو 2014مـ )
قال تعالى:
وَنُنَزِّلُ مِنَ اَلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُومِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا﴾ (سورة الإسراء آية 82)
المطلوب:
أولا : شرح الآية شرحا وافيا وإعتماد أكثر من كتاب تفسير.
ثانيا: ما الذي استفدته من الآية السابقة في حياتك اليومية؟
بالتوفيق للجميع.
|
الشرح :
1/ تفسير السعدي :
( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة، وليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك للمؤمنين به، المصدقين بآياته، العاملين به، وأما الظالمون بعدم التصديق به أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خسارًا، إذ به تقوم عليهم الحجة، فالشفاء الذي تضمنه القرآن عام لشفاء القلوب، من الشبه، والجهالة، والآراء الفاسدة، والانحراف السيئ، والقصود السيئة
فإنه مشتمل على العلم اليقيني، الذي تزول به كل شبهة وجهالة، والوعظ والتذكير، الذي يزول به كل شهوة تخالف أمر الله، ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها.
وأما الرحمة، فإن ما فيه من الأسباب والوسائل التي يحث عليها، متى فعلها العبد فاز بالرحمة والسعادة الأبدية، والثواب العاجل والآجل.
2/ تفسير ابن كثير :
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
يقول تعالى مخبرا عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم - وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد - إنه : ( شفاء ورحمة للمؤمنين ) أي : يذهب ما في القلوب من أمراض ، من شك ونفاق ، وشرك وزيغ وميل ، فالقرآن يشفي من ذلك كله . وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه ، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه ، فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة . وأما الكافر الظالم نفسه بذلك ، فلا يزيده سماعه القرآن إلا بعدا وتكذيبا وكفرا . والآفة من الكافر لا من القرآن ، كما قال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) [ فصلت : 44 ] وقال تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) [ التوبة : 124 ، 125 ] . والآيات في ذلك كثيرة .
قال قتادة في قوله : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه ( ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) إنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه ، فإن الله جعل هذا القرآن شفاء ، ورحمة للمؤمنين .
3/ تفسير الوسيط :
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
قال الفخر الرازى - رحمه الله - : اعلم أنه - تعالى - لما أطنب فى شرح الإِلهيات والنبوات ، والحشر والمعاد والبعث ، وإثبات القضاء والقدر ، ثم أتبعه بالأمر بالصلاة ، ونبه على ما فيها من الأسرار ، وإنما ذكر كل ذلك فى القرآن ، أتبعه ببيان كون القرآن شفاء ورحمة . فقال - تعالى - : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ . . ) .
ثم قال : ولفظة ( من ) ههنا ليست للتبعيض ، بل هى للجنس كقوله : ( فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان ) والمعنى : وننزل من هذا الجنس الذى هو قرآن ما هو شفاء ، فجميع القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين .
ومما لا شك فيه ، أن قراءة القرآن ، والعمل بأحكامه وآدابه وتوجيهاته . . شفاء للنفوس من الوسوسة ، والقلق ، والحيرة ، والنفاق ، والرذائل المختلفة ، ورحمة للمؤمنين من العذاب الذى يحزنهم ويشقيهم .
إنه شفاء ورحمة لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإِيمان ، فأشرقت بنور ربها ، وتفتحت لتلقى ما فى القرآن من هدايات وإرشادات .
إنه شفاء للنفوس من الأمراض القلبية كالحسد والطمع والانحراف عن طريق الحق ، وشفاء لها من الأمراض الجسمانية .
قال القرطبى عند تفسيره لهذه الآية : اختلف العلماء فى كونه - أى القرآن - شفاء على قولين :
أحدهما : أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب ، ولكشف غطاء القلب من مرض الجهل .
الثانى : أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحوه
،والذى تطمئن إليه النفس أن قراءة القرآن الكريم ، والعمل بما فيه من هدايات وإرشادات وتشريعات . . كل ذلك يؤدى - بإذن الله تعالى - إلى الشفاء من أمراض القلوب ومن أمراض الأجسام .
قال بعض العلماء : " وقوله - تعالى - فى هذه الآية ( مَا هُوَ شِفَآءٌ ) يشمل كونه شفاء للقلب من أمراضه ، كالشك والنفاق وغير ذلك . وكونه شفاء للأجسام إذا رقى عليه به ، كما تدل له قصة الذى رقى الرجل اللديغ بالفاتحة ، وهى صحيحة مشهورة " .
وبعد أن بين - سبحانه - أثر القرآن بالنسبة للمؤمنين ، أتبع ذلك ببيان أثره بالنسبة للظالمين ، فقال : ( وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَاراً ) .
أى : ولا يزيد ما ننزله من قرآن الظالمين إلا خسارا وهلاكًا ، بسبب عنادهم وجحودهم للحق بعد إذ تبين .
اضاءة :
أول شيء في هذه الآية أن كل من يعاني من مرض نفسي، وساوس، خوف، قلق، ضعف شخصية، شعور بالحرمان، شعور أن العدالة مفقودة، شعور أن الحياة للقوي فقط، أو للغني فقط، لأنه سواهم لا حياة لهم، هذا الشعور يسحق الإنسان سحقاً، إذا قرأ هذا القرآن:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
شفاء، طبعاً الشفاء يشفي العقل من داء الجهل، ويشفي النفس من داء القلق، يشفي العقل من أمراضه المتمثلة بالجهل، ويشفي الفكر من كل شعورٍ يقلب الحياة إلى جحيم، فالشرك يسبب للإنسان متاعب كبيرة جداً، فالإنسان من دون إيمان بالله عز وجل، من دون إيمانٍ بعدالته، وبأنه على كل شيء وكيل، من دون هذا الإيمان يجعل الناس لا ينام الليل، لأنه يخاف من كل شيء، كل إنسان قد يستطيع أن يوقع بك الأذى، إذا بعدت عن الله عز وجل، وبعدت عن هذا الكتاب، تشعر أن كل إنسان بإمكانه أن يصل إليك، بإمكانه أن يقلب حياتك جحيماً، بإمكانه أن يأخذ كل مالك، بإمكانه أن يفقدك أهلك وأولادك، بإمكانه أن يضعك في ظلمات في غياب السجن، لكن إذا عرفت الله عز وجل، وأنه بيده كل شيء، وأن الأمر كله إليه، وأنه إليه ترجع الأمور كلها، وأنه بيده ملكوت السماوات والأرض، وأنه ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، وأن الله عز وجل له الخلق والأمر، وهو يحكم لا معقب لحكمه، وهو لطيف لما يشاء، وأن الخير منه، والشر بتقديره من الإنسان كسباً، ومن الله فعلاً، إذا قرأ الإنسان القرآن، وعرف ما تنطوي عليه هذه الآيات انقلبت نفسه إلى نفسٍ هانئةٍ وادعةٍ مطمئنة واثقةٍ برضاء الله عز وجل، واثقةٍ من عدالته، واثقةٍ برحمته، تعرف أن هذه الحياة حياة قصيرة، طبيعتها الابتلاء طبيعتها الامتحان، وأن الحياة الحقيقية حياة الآخرة، وأن هذه الدنيا دار ابتلاء، وأن الآخرة دار عطاء، هذه الدنيا دار تكليف وأن الآخرة دار تشريف، إذا عرف هذه المعاني رضي بدخله، رضي بزوجته، رضي بأولاده، رضي بكل شيء، لأنه يرى هذا كله بتخطيطٍ من عليمٍ حكيمٍ رحيمٍ محب، هذا كله مما توحي به هذه الآية.
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
الشفاء واضح: النفس القلقة تشفى من قلقها، النفس المقهورة تشفى من قهرها، النفس التي تشعر بالظلم تشفى من هذا شعور، النفس القلقة على مستقبل أولادها تشفى من هذا القلق، النفس الحائرة تشفى، والعقل التائه يشفى، فهو شفاء للعقل وللنفس، ولا يمنع أن يكون الشفاء مطلقاً، بمعنى أنه ربما قرأ الإنسان كتاب الله عز وجل بنية الشفاء من مرضٍ ما لعل الله يكرمه بهذا الشفاء، وهذا أيضاً ممكن، المطلَق في القرآن على إطلاقه، قال:
﴿مَا هُوَ شِفَاءٌ﴾
فشفاء العقل، وشفاء النفس، وقد يقرأ القرآن بنية الشفاء من بعض الأمراض التي تصيب الإنسان، مع العلم أنه يجب أن يستشفي عند الطبيب أولاً، أخذاً بالأسباب، وبعدها يقرأ كتاب الله عز وجل، لعل الله عز وجل ينظر له بالشفاء المادي أيضاً.
أما الرحمة فالله سبحانه وتعالى يتجلى على قلب المؤمن تجلياً يجعل الحياة نعيماً، يجعل حياة المؤمن قطعة من الجنة، يجعل المؤمن في سعادة لا توصف، هذا كله تؤكده الآيات الأخرى.