عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 131  ]
قديم 2014-07-08, 11:52 PM
جهراء
أشتراك ذهبــي هدية من الموقع
رقم العضوية : 189311
تاريخ التسجيل : 27 - 3 - 2014
عدد المشاركات : 157

غير متواجد
 
افتراضي
(اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ) (وتَعْلَمُ ولا أعْلَم): في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ عِنْدَمَا تَدْخُل الألِفُ والسِّينُ والتَّاءُ عَلَى الفِعْلِ فَهِيَ تَعْنِي الطَّلَب، مِثْل (فَهَمَ – اسْتَفْهَمَ) أي طَلَبَ الفَهْم، و(غَفَرَ - اسْتَغْفَرَ) أي طَلَبَ المَغْفِرَة، وهَكَذَا، فَكَلِمَة (أسْتَخِيرُكَ) هي طَلَبٌ للخَيْرِ، ولَمَّا كَانَ عِلْمُ الإنْسَانِ مَحْدُودًا، وعِلْمُ اللهِ لا يَحُدّهُ شَيْءٌ، كَانَ القَصْدُ في هذا الدُّعَاءِ بكَلِمَةِ (أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ) هُوَ تَرْسِيخ مَعْنَى: أنَّ الإنْسَانَ مَهْمَا عَلِمَ وبَلَغَ بِهِ العَقْل والخِبْرَة والذَّكَاء، فَإنَّهُ لا يَعْلَم الخَيْر لنَفْسِهِ، ولاَبُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِهِ مِنَ العَلِيمِ الخَبِيرِ، فَقَدْ يَكُون مَا أظُنُّهُ خَيْرٌ لِي الآن، هُوَ في حَقِيقَتِهِ شَرٌّ لِي في المُسْتَقْبَل، أو شَرٌّ لِي الآن ولَكِنِّي لا أدْرِي، ولِذَلِكَ بِمَا أنِّي أُرِيدُ الخَيْر لنَفْسِي ولا أعْلَمُهُ، فَأنَا أطْلُبُ مِنَ اللهِ الخَيْر الَّذِي يَعْلَمهُ، سَوَاء كَانَ في هذا الأمْرِ أو في غَيْرِهِ.
(وأسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ) (فَإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أقْدِر): هي طَلَبٌ للتَّقَوِّي باللهِ وقُدْرَتِهِ، عَلَى شَيَاطِينِ الجِنّ الَّذِينَ يُوَسْوِسُونَ ويُزَيِّنُونَ البَاطِل والشَّرّ، وعَلَى شَيَاطِينِ الإنْس الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بجَهْلٍ وجَهَالَةٍ ويُرِيدُونَ لِي الشَّرّ، وعَلَى نَفْسِي الَّتِي قَدْ تَتَّبِع الهَوَى فَتَضِلّ عَنْ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهَا.
(وأسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيم): طَلَبٌ لمَزِيدٍ مِنَ الخَيْرِ، لَيْسَ فَقَط الخَيْر في الشَّيْء نَفْسه، بَلْ كَمَا في بَقِيَّةِ الدُّعَاء: بالرِّضَا والصَّبْر والبَرَكَة، وهذه أُمُور لا أمْلِكُهَا ولا أمْلِكُ تَحْقِيقهَا بنَفْسِي، فَحَتَّى إنْ أصَبْتُ في تَقْدِيرِي للشَّيْءِ وكَانَ فِعْلاً هُوَ خَيْرٌ في نَفْسِهِ، قَدْ لا أرْضَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَدْ تُنْزَع مِنْهُ البَرَكَة، وهذا يُؤَكِّد أنَّ الخَيْرَ الَّذِي أرَاهُ هُوَ نَظْرَة قَاصِرَة للشَّيْءِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَقَط، ولابُدَّ لكَمَالِهَا وإتْمَامِهَا أنْ أسْتَعِينَ بمَنْ يَعْلَم كُلّ شَيْءٍ فِيهَا ويَقْدِر عَلَيْهِ.
(وأنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوب): وهذا تَذْكِيرٌ بتَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّة، والَّذِي مِنْهُ عِلْمُ الغَيْبِ، ولأنَّنِي لا أعْلَمُ غَيْب اللَّحْظَة القَادِمَة، فَلاَ يُمْكِننِي أنْ أجْزِمَ بشَيْءٍ أنَّهُ خَيْرٌ لِي في المُسْتَقْبَلِ، ونُلاَحِظ أنَّ ألْفَاظَ وعِبَارَاتَ اسْتِفْتَاح الدُّعَاء إلى الآن وكَأنَّهَا تُرَسِّخ في النَّفْسِ مَعْنًى هَامًّا: طَالَمَا أنَّكَ لا تَقْدِر ولا تَعْلَم، فَلاَ تَغْضَب مِنَ النَّتِيجَةِ إذا جَاءَت بِمَا يُخَالِف هَوَاكَ، لأنَّهَا في النِّهَايَةِ قَدَرٌ مَكْتُوبٌ.
(فَاقْدِرْهُ لِي ويَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِك لِي فِيهِ): وهذا يَعُودُ بِنَا إلى ضَرُورَةِ الأخْذ بالأسْبَابِ لحُصُولِ التَّيْسِير، ويُؤَكِّد أنَّ الشَّيْءَ نَفْسهُ قَدْ يَكُون طَيِّبًا جَمِيلاً، لَكِنْ لَوْ نُزِعَت مِنْهُ البَرَكَة فَسَيَكُون شَرًّا.
(فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عَنْهُ، واقْدِر لِيَ الخَيْر حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي بِهِ): إخْبَارٌ وتَمْهِيدٌ جَدِيدٌ للنَّفْسِ بأنَّهَا قَدْ لا تَصِل لِمَا تُرِيد، حَتَّى إنْ حَدَثَ لا تَقْنَط ولا تَجْزَع، وسُبْحَانَ الله، إنِّي لأعْجَبُ مِمَّنْ يَدْعُو اللهَ أنْ يَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ثُمَّ يَغْضَب لَمَّا يُحَقِّقُ اللهُ لَهُ رَغْبَتهُ؟ فَطَالَمَا أجَابَ اللهُ دُعَائكَ وصَرَفَ عَنْكَ الشَّيْء الَّذِي دَعَوْتَ مِنْ أجْلِهِ، فَمَعْنَى هذا أنَّهُ كَانَ سُوءًا لَكَ لَوْ تَحَقَّقَ، فَعَلاَمَ تَغْضَب؟