، ففي الحديث: «رحم الله امرأً قام من الليل فأيقظ أهله فإن أبت نضح في وجهها الماء» والعكس كذلك، أي أن الله سيرحمه.
وينبغي للإمام أن يرفق بالأمة ويتحرى السنة، فيحرص على تطبيقها في الصلاة والقراءة، وإذا أحس بأن الناس لا يرغبون بالإطالة فلا يطيل بحيث ينفرهم.
بقي أمر واحد يجب التنبيه عليه وهو عدم إطالة الدعاء والتقيد بالوارد، وعدم إحداث ألفاظ زائدة أو عبارات، بل يحرص على الأدعية المأثورة حتى يصيب السنة، ويتعلمها الناس منه، وعليه بالأدعية الجامعة.
7- أوصيكم بالتقوى والصلاة:فما خرج عبد من الدنيا بشيء أكرم ولا أحب إلى الله من زاد التقوى، وأفضل شيء بعد تقوى الله الصلاة، ففي الحديث: «استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» فحافظوا في رمضان وغيره على الفرائض فما تقرب عبد إلى الله بشيء أحب إليه مما افترضه الله عليه «وإياكم والسهر في رمضان وهو ثلاثة أقسام: 1- سَهِرَ في طاعة الله، وضَيَّع فرائض الله: فهذا سهره حرام، سواء كان سهر طاعة أو معصية، بل المعصية أشد، فمن سَهِرَ في رمضان، وضَيَّع صلاة الفجر، فقيامه حرام، يقول بعضهم: أسهر حتى أصلي الفجر، ثم يفرط في صلاة الظهر والعصر، وهذا لو سهر، وصلى الفجر، فقد أضاع ليله ونهاره. 2- أن يكون سهرًا مباحًا ولا يترتب عليه تضييع واجب: فهذا سهر مكروه لحديث: «كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعده». 3- أن يكون سهرًا في طاعة الله ولا يخل بواجب من الواجبات: فهذا سهر مستحب وهو منهج السلف ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ ، فكانوا ينامون أول الليل ويقومون وسطه ويستغفرون بالأسحار.
ومن هنا ماذا أستفيد عندما أسهر بالليل؟ وقد يقول قائل: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يُحيي ليله كله في العشر الأواخر، والإجابة: نعم لكن بطاعة الله، أما أن أحيي ليلي بالقليل والقال، فهذا نومه خير له من سهره؛ ثم قد يسهر البعض في قيام الليل ويضيع الظهر والعصر، وقد يضيع صلاة الجماعة، وبعضهم إن صلى فكأنه فاقد الوعي، وبمجرد ما يسلم الإمام يسقط، حتى إن البعض سجد في الحرم، وإذا به يشخر في السجود من النوم، وبعضهم يصلي الفجر في رمضان بتثاقل. وخلاصة الأمر أنه يجب على العبد أن يهتم بالفرائض في رمضان، نعم السهر في طاعة الله، لكن يجب ألا يؤثر ذلك على الواجبات، كبر الوالدين، أو العمل، حتى أنك لترى بعضهم عندما يذهب إلى المسجد أو عمله كأنما تجرهم جرًا وإذا دخلوا وجلسوا يتثاءبون، وهذا دليل على مرض القلوب بسبب السهر.
8- الاعتكاف دورة إيمانية:من صيام وقيام وتلاوة للقرآن ودعاء وصدقة ولزوم للمسجد وتعويد النفس على طاعة الله وحبسها على مرضاته، حتى يخرج العبد منها بأعظم زاد وهو زاد التقوى، فهي خلوة شرعية في مدة معينة، لا يترتب عليها ضياع الحقوق سواء حق الله أو حق النفس، أو حق الأهل، فإذا جمعت الفضائل المكانية والزمانية وفضيلة الحال والصفة كانت نورًا على نور.
فأما فضيلة المكان فعلى أقصى درجات الكمال إذا كان في المسجد الحرام، ثم أوسط الكمال مسجد النبي صلّى الله عليه وسلم ثم أدنى الكمال المسجد الأقصى لورود السنة بذلك، ثم يقدم بعد ذلك المسجد الجامع ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ﴾ ، ثم يقدم المسجد الأكثر جماعة لحديث «صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده، وكلما كان أكثر كان أزكى»[رواه البخاري]، ثم يختار المسجد الذي يخشع فيه لأن النبي صلّى الله عليه وسلم ضربت له قبة داخل المسجد من أجل الانقطاع إلى الله واعتزال الخلق والخلوة مع الله، أما باقي الأمور فتختص بالشخص من حيث قرب الخدمات والخلاء.
وأما فضيلة الحال فلا أكمل من حال الصوم، والصوم يقرب إلى أعلى درجات الكمال، وإذا تبين هذا فإن الاعتكاف ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى : ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ فوصف الله المساجد بأنها معتكف المؤمن، أما حديث «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة»، فهو محمول على الاعتكاف الكامل، فالنفي نفي كمال لا نفي صحة، أما السنة فد بينها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالقول والعمل، أما القول «لما اعتكف رسول الله في العشر الوسطى قل له جبريل: الذي تطلبه أمامك» فقال رسول الله: «من اعتكف فليعتكف معنا»، كذلك السنة الفعلية فقد ضربت قبة من ادم في مسجده، فاعتكف واعتكف معه أصحابه.
حكم الاعتكاف: مستحب شروط الاعتكاف خمسة:1- الإسلام. 2- العقل. 3- النية. 4- الطهارة من الحدث الأكبر. 5- لزوم المسجد الجامع.
وقيد الاعتكاف بهذه الأمور لأن العبادة لا تنفع إلا بتوحيد وإخلاص، كذلك قصد الاعتكاف والانقطاع عن الخلق؛ ولهذا فسر الاعتكاف بأنه لزوم المسجد لطاعة الله، أما شرط الطهارة من الحديث الأكبر؛ فلأن الجنب والحائض ممنوع من دخول المسجد، أما المسجد فلا يصح الاعتكاف في أي موضع إلا المسجد.والاعتكاف لا يختص برمضان لأن النصوص عامة ﴿ عَاكِفُونَ ﴾ أصل عام لكن يتأكد الاستحباب في رمضان، أما سائر السنة فجائز لحديث لما فاته صلّى الله عليه وسلم الاعتكاف في رمضان قضاه في شوال، ولما سأل عمر رسول الله عن اعتكاف ليلة لم يأمره بتحري العشر، أما الواجب فهو بالنذر ساعة أو يومًا أو ليلة كما في حديث عمر. والاعتكاف يشتمل على ثلاثة أمور:
1-أعمال قلبية: سواء فيما بينك وبين الله، كالتوحيد والإخلاص، أو فيما بينك وبين الناس كطهارة القلب من الحسد والكبر والبغضاء وسوء الظن.
2-أعمال ظاهرة:سواء فيما بينك وبين الله من صلاة وصيام، أو فيما بينك وبين الناس من كف شرك عنهم.
3-حفظ اللسان:سواء فيما بينك وبين الله من الذكر وقراءة القرآن والاستغفار، أو فيما بينك وبين الناس من اجتناب الغيبة والنميمة وغيرها.
وخلاصة الأمر في الاعتكاف:أنه خلوة شرعية، المراد بها الانقطاع إلى الله، ومن هنا قال عيسى عليه السلام: «العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت» لأنه يجمع القلب والعاشر في اعتزال الخلق»، فإن قساوة القلب قد تحصل بسبب كثرة اللغو، ففي الحديث «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسِّي القلب، وإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي»؛ فلا ينشغل المعتكف بغير ما التزم به، فقد كانت عائشة تمر بالمريض فتسأل عنه ولا تعرج عليه، ولا يجلس عند المريض، ولا يخرج بغير عذر، إلا لضرورة، وأما الطعام فإذا كان هناك مكان قريب وآخر بعيد لم يذهب للبعيد، ولا يكثر الكلام ولا يخرج إلا بقدر الحاجة، وينبغي عليه أن يهيء نفسه ويرتب ما يعينه على أداء الاعتكاف، ولو خرج لغير عذر انقطع الاعتكاف ووجب عليه أن يجدد نيته في الانقطاع إلى الله، ويرجع مرة أخرى إلى معتكفه. يقول العلماء: ولما كان فضول الطعام والشراب والمخالطة وفضول الكلام والمنام مما يزيد القلب شعثًا اقتضت حكمة الله شرعية الاعتكاف والصيام، حتى يذهب فضلات الطعام والشراب ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات، وشرع بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه، ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة» [زاد المعاد] متى يبدأ الاعتكاف؟ والجواب يدخل المعتكف قبل غروب شمس يوم عشرين من رمضان، أما ما ورد من دخوله في القبة بعد الفجر من حديث عائشة فهذا داخل المسجد، والصحيح ما ذكرلأنه قال في الحديث:«رأيت أَنِّي أَسْجُدُ فيمَاءٍ وَطِينٍ».*
الخاتمــة
فإذا انقضت ليالي وأيام رمضان فمن الناس من هو رابح، ومنهم من هو خاسر وليلة العيد تسمى في السماء ليلة الجائزة، فإذا كان يوم العيد نادت الملائكة بصوت يسمعه كل شيء إلا الثقلين: «يا أيها الناس اخرجوا إلى رب كريم يُعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم» فإذا برزوا إلى مصلاهم سأل الله الملائكة سؤال تشريف وتكريم للعامل: «ما جزاء الأجير إذا انتهى من عمله؟» قالوا: توفيه أجره، فقال: «أشهدكم يا ملائكتي أني جعلت جزائي من صيامهم وقيامهم مغفرتي ورضواني».
وعليه فأحوال الناس بعد نهاية شهر رمضان ثلاثة أحوال:
1- فمنهم من صام وقام وأرى الله منه خيرًا، فكانت جائزته أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه، فخرج يوم العيد كيوم ولدته أمه، وخرج بصفحة بيضاء وقلب أبيض، ولبس الجديد من الثياب، وألبس الله وجهه نورًا، ولا شك أن أفضل أيام الحياة يوم يغفر الله لك «يا كعب! أبشر بخير يوم منذ ولدتك أمك تاب الله عليك».
2- ومنهم من خرج يوم العيد وقد أعتقه الله من النار: فتاب توبة نصوحًا، وكان قبل دخول شهر رمضان قد استوجب النار، لكن نال العتق في هذا الشهر المبارك، نسأل الله أن يجعلنا من عتقائه من النار.
3- ومنهم من خرج من شهر رمضان مفلسًا: ففي الحديث الصحيح: «رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له» وقد يكون عنده أعمال جليلة من صيام وقيام، ولكنه مصر على المعاصي من ترك الصلاة أو ملازمة الحرام، فكان ممن قال فيهم النبي صلّى الله عليه وسلم : «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر»؛ فتراه ينظر إلى الحرام، ويسمع الحرام، ويمشي في الحرام.
يقول العلماء: «إذا سخط الله على عبد استعمله في أحسن الأوقات بأخس الأعمال، زيادة في عقوبته والعكس» وكم رأينا في الحرم من نساء كاسيات عاريات متعطرات فاتنات مفتونات، خرجن إلى حرم الله في أحسن زينة وهن متبرجات ولا أدري هل هن سمعن بحديث: «يخرجن تفلات» أم لا؟ يا معشر النساء يعني غير متزينات، ألم تسمع المرأة بحديث «أقرب ما تكون المرأة من رحمة ربها وهي في بيتها» رواه الترمذي وحديث أم حميد الصحيح لما ذكر أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها خلف النبي صلّى الله عليه وسلم (رواه الإمام أحمد والبخاري).
فلا يظن ظان أنه إذا كان زاهدًا عابدًا تاركًا لأهله يسرحون ويمرحون كيفما يشاؤون، ويسهرون على المحرمات، أنه ناج من عذاب الله! أسأل الله العظيم أن يبلغنا شهر رمضان بعفوه ومعافاته، وأن يكتب لنا فيه أوفر الحظ والنصيب من الخير، اللهم اجعلنا من الصوامين القوامين المرحومين المقبولين المخلصين، اللهم ما قسمت في هذا الشهر من الرحمة والبركة والعفو لعبادك فاكتب لنا فيه أوفر الحظ والنصيب من الخير، واجعلنا ممن صام رمضان واستكمل الأجر وحاز على عظيم الأجر، وأدرك ليلة القدر، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت (ثلاثًا)، نسألك ألا تحول بيننا وبين رحمتك بما كان من ذنوبنا وإساءتنا وتقصيرنا، اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا واستر عوراتنا وآمن روعاتنا وأعظم لنا الأجر والمثوبة فإنك أنت الكريم الذي لا ينتهي كرمه، ولا ينقطع فضله وإحسانه، يا رب إنا نحسن الظن في فضلك ومنك وكرمك، اللهم افتح علينا من واسع فضلك ورحمتك ومنِّك فإنه لا يملكها إلا أنت اللهم إنا نسألك بكل اسم هو لك أن ترزقنا في هذا الشهر الكريم سداد القول وصلاح العمل والقلب.
تمت هذه الرسالة ولله الحمد والمنة، أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرض