أفكار اجتماعية ونفسية لرمضان
*د. جاسم المطوع
شهر رمضان شهر الخير والبركة، وهو شهر اﻻجتماع العائلي والفرحة اﻷسرية، فكلنا شوق ﻻستقبال هذا الشهر الكريم، فهو ضيف عزيز وزائر خفيف يحمل لنا الهدايا الكثيرة، فأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ثم يكافئنا بالعيد والفرح عند رحيله،*فرمضان شهر التغيير، فيه نزلت الكتب السماوية (الزبور والتوراة واﻹنجيل وكان آخرها القرآن)، وفي رمضان تصفد الشياطين وتغلق أبواب النيران وتفتح أبواب الجنة، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، والنفوس في رمضان تتغير واﻷخﻼق تتبدل، ونسبة الصبر عند الناس تزداد، وا ﻹرادة تقوى ويزيد الكرم والعطاء في شهر الخير والبركة.كما نﻼحظ امتﻼء المساجد في رمضان وكثرة قراءة القرآن وختمه، وتكثر اﻷحاديث الدينية بين الناس، وتغير المحطات الفضائية خرائطها التلفزيونية، كل ذلك من أجل رمضان، فرمضان ليس شهرا عاديا فهو خير الشهور، ولهذا اختاره الله تعالى فأنزل فيه القرآن «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان»، فرمضان أشبه بمهرجان عالمي للمسلمين يدفعهم نحو التغيير، فكل شيء يتغير في رمضان حتى مواعيد النوم وا ﻷكل والعمل
ولهذا سمى الرافعي شهر رمضان «مدرسة الثﻼثين يوما»، ففي رمضان تقل المعاصي وتزداد الطاعات، ومن لم يستثمر هذا الشهر في تغيير ذاته وأخﻼقه وعﻼقاته وعباداته ويصحح نيته فهو الخسران، ولهذا قال رسولنا الكريم «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر»،
فهذا الصنف من الناس لم يدفعه رمضان لتطوير ذاته وتزكية نفسه، ﻷن ا ﻷصل في رمضان أن يساعدنا على تنمية أرواحنا وأجسادنا، وأن نوازن بينهما، أما من يخدم الجسد فقط فهو لم يستفد من رمضان بشيء،*ويتحقق فيه قول القائل:
ياخادم الجسم كم تسعى لخدمتهأتطلب الربح مما فيه خسران
أما الزوجان فيمكنهما اﻻستفادة من رمضان في مراجعة عﻼقتهما ببعضهما بعضا، ومناقشة جوانب النقص والسلبية في حياتهما، واستثمار هذا الشهر بوضع خطة زوجية لتجاوز السلبيات وتعزيز اﻹيجابيات، وكذلك يستثمران هذا الشهر الكريم في العمل الخيري والنشاط اﻹيماني، مثل صلة اﻷرحام وبر الوالدين والتواصل مع الجيران، وقيام الليل وقراءة القرآن وكفالة اليتيم ورعاية اﻷسر وغيرها من أعمال البر.
أما الوالدان فيستفيدان من هذا الشهر بكثرة الجلسات العائلية، وخاصة جلسة اﻹفطار أو الجلسات الليلية، والحديث مع أبنائهم في معاني تربوية أو دينية، وأعرف عائلتين اﻷولى خصصت كتاب رياض الصالحين تقرأ منه كل يوم صفحتين، وأخرى اعتمدت كتابا في السيرة النبوية لقراءته في شهر رمضان، كما أعرف عائلة ثالثة استثمرت هذا الشهر بتعليم أبنائها حساب الزكاة، وكلفت اﻷطفال بتوزيع الزكاة والدخول إلى بيوت الفقراء والمحتاجين والتعرف عليهم ودراسة أوضاعهم اﻻجتماعية.
فالرابح في رمضان من يحدد له هدفا أخﻼقيا لتحقيقه، إما أن يحدد خلقا سلبيا يريد التخلص منه، أو خلقا إيجابيا يريد اﻻلتزام به، فمن ابتلي بالتدخين يسعى للتخلص منه، ومن كان له عﻼقة محرمة بالنساء يمكنه استثمار رمضان في تغيير سلوك،ه والفتاة غير المحجبة تضع لنفسها هدفا بأن تكمل دينها بحجابها، ومن يأكل الربا يتوقف ومن لم يتبرع لنصرة المسلمين يخصص جزءا من ماله لذلك، ومن يرغب بحفظ القرآن أو دراسة السيرة أو إنقاص وزنه يجعل رمضان بداية التغيير في حياته.
فالصيام كما قال أبوحامد الغزالي رحمه الله ثﻼثة مراتب: اﻷول صيام الجوارح والبطن والفرج عن الشهوة،
والثاني صيام السمع والبصر والرجل واليد واللسان عن اﻵثام،
والثالث صيام القلب عن الهمم الدنيئة، ونحن ﻻ نريد أن نكون من الصنف اﻷول فقط، وإنما نكون ممن يصوم صوما صحيا قلبا وقالبا.
ولعل أعظم رسالة نتعلمها من مدرسة رمضان الترفع عن الشهوات، وأﻻ نكون عبيدا لشهواتنا، كما قال الشاعر:
إنما الدنيا طعام وشراب ومنام
فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السﻼم
فﻼ نقبل ﻷنفسنا هذا المنطق وهذه النظرة، فرمضان يعلمنا التوازن بين الجسد والرو،ح بل ويقوي عﻼقتنا بالله تعالى،
ولهذا «ثﻼثة ﻻ تُرَدُّ دعوتهم: الصائم حتى يُفطِر، واﻹمام العادِل، ودعوة المَظلوم..»، ﻷن الصائم قريب من الله..وتقبل الله طاعتكم مقدما، ولنجعل من رمضان فرصة لتقوية عﻼقاتنا اﻻجتماعية والنفسية.*
التعديل الأخير تم بواسطة البارقه 2009 ; 2014-06-23 الساعة 9:01 AM.
توقيع البارقه 2009 |
(رب هب لي حكما والحقني بالصالحين
واجعل لي لسان صدق في الأخرين
واجعلني من ورثة جنة النعيم )
قال عبد الله بن مسعود : " لأِن أعض على جمرة حتى تبرد أحب إليّ من أن أقول لشيء قد قضاه الله ليته لم يكُن ! ".
💕 الرضى جوهر السعادة ، جملنا به يا الله 💕
[ اجعل لي يا الله اثراً طيباً اذكر بهِ بعد رحيلي فالذكر عمرُ آخر ]
اللهم اجعلنا ممن اذا حضر حضر واذا غاب بقي له أثر
اللهم اجعلنا من اهل النفوس الطاهرة و القلوب الشاكرة والوجوه المستبشرة وارزقناطيب المقام وحسن الختام .
|
|