كيف نفهم غضب النبي من خباب ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
لم يكن هناك من هو أرحم على المسلمين من البشر من نبينا صلى الله عليه وسلم , وصدق فيه قول ربنا سبحانه " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " , وقال أيضا " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ " .
وهناك موقف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وقف فيه الكثيرون يتهمون عقولهم وأفهامهم ثم يجتهدون للوصول لحكمة النبي صلى الله وسلم ورحمته بالأمة فيه , وهو الموقف الذي كان مع الصحابي الجليل خباب بن الأرت رضي الله عنه ومعه جمع من الصحابة حينما ذهبوا يشتكون للنبي الكريم ما حل بهم من عنت ومشقة وعذاب على أيدي قريش ويطلبون منه نصرتهم والدعاء لهم .
فيروي البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»[1]
وفي رواية هامة ومشهورة فيها زيادة تقضي باحمرار وجه النبي صلى الله عليه وسلم , " .. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لَنَا، وَاسْتَنْصِرْهُ، قَالَ: فَاحْمَرَّ لَوْنُهُ أَوْ تَغَيَّرَ، فَقَالَ .. الحديث" [2].
وهنا نحاول أن نصل للحكمة العظيمة من غضب النبي صلى الله عليه وسلم في الموقف الذي وقفت أذهان العلماء جميعا اجلالا له وتفكرا , وانتظرت أن يكون رد فعله غير ذلك نظرا لرحمة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الواسعة والتي تجلت في العديد من المواقف المشابهة .
وكانت اغلب الترجيحات لسبب غضب النبي صلى الله عليه وسلم هو ما لمحه من التعجل على الصحابة فأوصاهم بالصبر وضرب لهم الأمثلة على صبر الأولين وبشرهم بتمام الأمر وامتداد رقعة أهل الإسلام حتى تشمل الدول المحيطة بهم .
ولكن هذا السبب – مع وجاهته ووجود شواهد له في الحديث – لا يكفي وحده لغضب النبي صلى الله عليه وسلم واحمرار وجهه وجلوسه بعد توسده البردة وكل هذه من علامات الغضب .
فالنبي صلى الله عليه وسلم أعظم المربين وأكثرهم تفهما للنفس البشرية , وأعمقهم إدراكا لحقيقة تفاوت قدرات البشر على تحمل الأذى والبلاء , والمتأمل لسيره يدرك تماما أنه كان يعذر ويدعم ويساند كل من تضعف نفسه على تحمل البلاء الشديد , فرخص لعمار أن يقول كلمة الكفر إذا اشتد به البلاء ولم يتحمله , فعن مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا وَرَاءَكَ؟» قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ قَالَ: «كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟» قَالَ: مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ قَالَ: «إِنْ عَادُوا فَعُدْ» [3]
ومن المعلوم أن غضب النبي صلى الله عليه وسلم كان معلوم الأسباب لصحابته الكرام , فلم يكن ينطق عن الهوى , فما كان يغضب لنفسه قط وما كان ينتصر لها بل كان غضبه لله وحينما تنتهك حرماته سبحانه كما روت عائشة -رضي الله عنها- قالت: "والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله عز وجل، فينتقم لله عز وجل" [4]
وكان السبب الثاني في غضب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعرض المنهج الإسلامي لبادرة من بوادر ظهور خلل , فكان يغضب لتقويمه ولإشعار المسلمين بخطورة القضية لوأدها في مهدها .
فغضب النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يطيل الصلاة حتى يفتن الناس وفيه بادرة لظهور تنطع في الأمة , فعن أبي مسعود رضي الله عنه، قال: ((أتى رجل النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ أشد غضبًا في موعظة منه يومئذ، قال: فقال يا أيُّها الناس، إنَّ منكم منفِّرين، فأيُّكم ما صلى بالنَّاس فليتجوز فإنَّ فيهم المريض، والكبير، وذا الحاجة)) [5]
وغضب النبي صلى الله عليه وسلم حينما حاول بعض الناس ترك الرخص التي رخصها الله لهم , فعن عائشة رضي الله عنها ((أنَّها قالت: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزَّه عنه ناس من النَّاس، فبلغ ذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم، فغضب حتَّى بان الغَضَب في وجهه، ثمَّ قال: ما بال أقوام يرغبون عمَّا رخِّص لي فيه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدَّهم له خشيةً)) [6].
وغضب صلى الله عليه وسلم بسبب ظهور بادرة من بوادر النزاع والتفرقة بين الأمة , فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان فقال: (أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه) [7] .
وغضب على عمر بن الخطاب حينما وجد في يده ورقات من التوراة , فأتى عمر بن الخطاب النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أمتهوكون فيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني" [8]
فبعد هذه الأحاديث التي بينت غضب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان ينطلق من بادرة وجود خلل منهجي أو شرعي في الأمة الإسلامية , فكان يأتي غضب النبي مشعرا بأهمية وخطورة هذه الأدواء التي تهلك الأمم , ولو تطرق إليها باحث لوجد أن نشأة الفرق الهالكة في الإسلام كانت نتيجة عدم امتثالهم لهذه التربية النبوية ولتركهم هذه النصائح والتوجيهات التي تركها النبي الكريم الرحيم بأمته .
يتبع >>>>>>>>>>>>
التعديل الأخير تم بواسطة حامد نوار ; 2014-06-22 الساعة 12:21 AM.
توقيع حامد نوار |
|
|