|
الأمر الأول -مما يعين على تجاوز المشكلات:
هناك جملة من الأمور تشكِّلُ في مجموعها منهجاً عمليّاً يعيننا على التعامل مع المشكلات بطريقةٍ صحيحةٍ تسهمُ في إيجاد الحلول بطريقةٍ عقلانيّةٍ هادئةٍ، وسأذكر هذه الأمور، مع الحرص - ما أمكن - على التمثيل بمثال، لا نقصد منه أن نحصر الإطار، وإنّما نقصد منه التوضيح والإفهام.
الأمر الأول: ضرورةُ إدراك ِ أنّ الحياةَ لا تخلو من المشكلات:
فحين خلق الله آدم، أسكنه الجنة، وحذره من إبليس، وأخبره أنه سيسعى إلى إخراجه منها, وأنّ خروجه منها سيسبب له شقاءاً ومصائبَ، قال الله تبارك وتعالى: ( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فتشقى. إنّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تعرى وأنك لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ) طـه:117-119
فالمصاعب والمشاق أمر ملازم لطبيعة الدنيا. فالذي يعيش الفقر والعوز، يشقى ويعاني بفعل الجوع والمسغبة والمرض. والذي يعيش الغنى والترف، يشقى هو الآخر بمعاناته من أمراض ضغط الدم والسكر وزيادة الوزن, فالمعاناةُ أمرٌ يشترك فيه الناس وإن تفاوتوا في ذلك. فلابدّ لنا من إدراك هذا الأمر إدراكاً تامّاً.
إنّ إدراكنا لطبيعة الدنيا، وما فيها من صعوبات و مشكلات, لن تنتهي حتى نُودّعَ الدنيا. ليس كفيلاً بحلِ مشكلاتِنا وتخليصنا منها، لكنه سيجعلنا أكثر تحملاً وصبراً، وسيجعلنا نعيد النظر فيما يدخل ضمن دائرة المشكلات وما لا يدخل.
الأمر الثاني: التيقن من أنّ طريق الطاعة محفوف بالمكاره
لئن كانت المشقة ملازمة للحياة الدنيا، فطريق الطاعة محفوف بالمكاره مما يزيد الأمر صعوبة ومشقة، يقول الله تبارك وتعالى: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) البقرة:214
والناس قد زُيِّنَتْ لهم الشهواتُ، كما قال تبارك وتعالى: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ). ) آل عمران: 14
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ؛ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ. فَقَالَ: يَا رَبِّ؛ وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا. ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ؛ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. فَلَمَّا خَلَقَ النَّارَ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَبِّ؛ وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا. فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ؛ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَبِّ؛ وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا ) رواه البخاري (6006) وأحمد (8434) واللّفظ له.
وبيّن الله تبارك وتعالى أن النفس أمارة بالسوء، كما في الآية: ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ). يوسف: 53
ورغماً عن توافر الأدلة حول هذا الأمر، نجد أنّ بعض الناس يُمَنِّي نفسه- والمنى رأس أموال المفاليس- أن يصل إلى حالةٍ يندفع فيها إلى الطاعة بصورةٍ تلقائيةٍ، فلا تحدثه نفسه بالمعصية، ولا يحتاج إلى مجاهدتها لترك الباطل، والانقياد للحق. وهذا أمرٌ مستحيل، يصادم الفطرةَ و الجبلةَ البشرية، ففي الحديث الشريف:( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ).رواه أحمد (12637) و الترمذي(2423) واللّفظ له.
فالوقوع في المعصية معضلة تستوجب التوبة، ولكن تظل هناك معضلةٌ أكبرُ منها وهي استمراءُ الوقوعِ في المعاصي والأخطاءِ، والتغاضي عن النظرِ في فرصِ الحلِ والعلاجِ.
الأمر الثالث: التحديد الدقيق للمشكلة
حينما نريد التعامل مع مشكلةٍ ما، بطريقة صحيحة، فإنّنا نحتاج أولاً إلى معرفة المشكلة وتحديدها تحديداً دقيقاً. فمثلاً: حينما يتعامل الفني مع مشكلةٍ في مكبر الصوت, فإنه يحتاج إلى تحديد طبيعة المشكلة: هل المشكلة أنّ هناك صدىً؟هل الأسلاك متلامسة في مكبر الصوت؟ هل ...الخ.
فإذا حُدِّدَت المشكلةُ وعُرَِفَت طبيعتُها، أمكَنَ علاجُها بعد ذلك.
إنّ عدمَ معرفة المشكلة، وعدم تحديدها تحديداً دقيقاً، يؤدي إلى تضخيمها بحيث تدخل فيها أمورٌ ليست من صلبها، وقد لا تَمُتُّ لها بصلة من قريبٍ أو من بعيدٍ.
فهذا أمرٌ ينبغي مراعته عند شروعنا في تحديد طبيعة المشكلات، سواء على مستوى الأحاديث الموجهة لشرائح المجتمع المختلفة, كما هو الحال بالنسبة للمعلم في حديثه لطلابه، أو الخطيب حينما يتناول الظواهر الاجتماعية، أو حتّى على مستوى تناولنا لمشاكلنا الشخصية التي نسعى لعلاجها.
مثلاً: هناك مشكلة يدور السؤال حولها كثيراً، وهي مشكلةُ الإعجاب بين الفتيات بعضهن ببعض، وتعلّق الشباب بعضهم ببعض، وهي بلا شك مشكلةٌ ماثلةٌ في واقعنا بصورةٍ يمكن أن توصفَ بأنّها حالةٌ مرضيةٌ. لكننا أحياناً قد نحشو فيها ما لا يَمُتُّ لها بصلةٍ ولا قرابةٍ؛ نظراً لأننا أصبحنا نظن أنّ أيّ صلاتٍ قويةٍ من هذا النّوع، ستؤدي حتماً إلى مشكلةٍ، بل ومشكلةٍ خطيرةٍ. والحقيقة ليس ثمّةَ مشكلة.
أن أرتاح إلى صديقٍ ما، وأن أجلس وأتحدث معه أكثر من غيره، هل هذا في حدِّ ذاته مشكلة؟!
إنّني أظنُّ أنّ أصلَ المشكلة موجودٌ في عقولنا وفي طرق تفكيرنا. فمن الطبيعي أن أرتاح لفلان من الناس أكثر من غيره، ومن الطبيعي أن ترتاح فتاةٌ لزميلتها أكثرَ من غيرها.
لكن إذا تجاوز هذا التّعلّقُ والإعجاب الحدَّ والقدرَ الطبيعيَ وصارفيه مبالغةٌ، وقفز إلى درجةِ أن يقول أحدُ الطرفين: ( إذا افتقدته فلابد أن أحدثه بالهاتف و إلاّ سأكون في مشكلةٍ ), ( أفكرُ فيه كثيراً ويفكر فيّ كثيراً ). فهنا نكون قد انتقلنا إلى دائرة المشكلة.
اتّصل عليّ شاب وقال: أنّ عنده مشكلة مزعجة, وهي أنه متعلق بزميله, ثم أخذنا نتحدث مدةً من الوقت، وفي النهاية اكتشفتُ أنّه ليس ثمّةَ مشكلة, فكل ما في الأمر: زميلٌ تربطه به علاقةٌ جيدةٌ وارتياحٌ متبادل، وأظنّ أنّ سماع هذا الشاب للحديث كثيراً عن هذه المشكلة جعله يضخم الأمر ويحشر نفسه داخل إطار المشكلة وهو أصلاً خارج إطارها.
مثال آخر: شابٌ يعاني من مشكلةٍ متعلّقةٍ بالشهوة، فهل المشكلة هي مجرد وجود الشهوة القوية، أم أنّ المشكلة هي ارتكابه للحرام؟!
توقيع البارقه 2009 |
(رب هب لي حكما والحقني بالصالحين
واجعل لي لسان صدق في الأخرين
واجعلني من ورثة جنة النعيم )
قال عبد الله بن مسعود : " لأِن أعض على جمرة حتى تبرد أحب إليّ من أن أقول لشيء قد قضاه الله ليته لم يكُن ! ".
💕 الرضى جوهر السعادة ، جملنا به يا الله 💕
[ اجعل لي يا الله اثراً طيباً اذكر بهِ بعد رحيلي فالذكر عمرُ آخر ]
اللهم اجعلنا ممن اذا حضر حضر واذا غاب بقي له أثر
اللهم اجعلنا من اهل النفوس الطاهرة و القلوب الشاكرة والوجوه المستبشرة وارزقناطيب المقام وحسن الختام .
|
|