أختي الفاضلة، ربنا ييسر أمورك ويرشدك لما فيه صلاح دنياك وآخرتك إن شاء الله.... بالطبع لا ذنب للإبن بما يفعله والده، والحمد لله أن الثواب والعقاب بيد الله عز وجل، وبالفعل هي خسارة كبيرة تشعر بها الفتاة عندما توضع في مثل هذا الموضع وتقف أمام هذا الإختيار.
بالنسبة للناحية الشرعية فلا يختلف عليها أثنان أنه ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )، وأن قدوم شاب متدين يطرق باب الفتاة فرصة تنتظرها الكثير منهن، ولكن مع كثرة المشاكل وتباينها في مجتمعاتنا الحالية، أصبح هناك إعتبارات وأسس كثيرة يجب طرحها أمام المقبلين على الزواج، فكما نرى ونسمع فإن حالات الطلاق في إزدياد، ولقد طال الطلاق فئات كثيرة، ( المتدينة وغير المتدينة، الأغنياء والفقراء والمثقفين والجهلاء...)، والحقيقة أن السبب أكبر من الدين أو الثقافة أو الغنى، والحقيقة التي غفل عنها الكثير في عصرنا هي حقيقة قدراتنا الشخصية وقوتنا الذاتية ونفسيتنا بشكل عام، قكم من متدينة لم تستطع الصبر على طباع الزوج، أو أهل الزوج فآثرت الطلاق، وكم من متدين لم يستطع إحتواء زوجته وطبائعها رغم إلتزامه، وكم من غني لم يستطع إسعاد زوجته لعدم معرفته لحاجاتها الحقيقية، وكم من فقير لم يبالي بصعوبة تحمل نفقات زوجة ثانية ومع هذا لجأ جميعهم للطلاق، والسبب كما قلت كل الإعتبارات التي لم تؤخذ بعين الإعتبار مسبقا، ولم يوضع أمام المقبل على الزواج المخاطر بعيدة المدى.
لهذا نقول إن للوالدين دور كبير في الإرشاد بناء على خبراتهم الطويلة، وأول خبرة هي معرفتهم بشخصية وقدرات ونفسيات بناتهم، ومن خلال عملنا في الإرشاد الزواجي خاصة والإرشاد الأسري عامة، شاهدنا فشل العديد من الزيجات التي كانت مرفوضة مسبقا من قبل الوالدين، فندم الأبناء لعدم إستماعهم لوالديهم، ولكي نصل لحل وسط من الأفضل أن نطلب من الفتاة بالإضافة للإستخارة، أن لا تفتح قلبها فقط وإنما عقلها أيضا، وتُنشىء قناة حوار صريح مع والدها لتفهم وجهة نظره وسبب مخاوفه فتتعرف على حقائق كانت مغيبة، كما وتبوح هي بوجهة نظرها حتى يصلوا جميعهم لقرار عقلاني مدروس ، وقد يكتشف الأب أن ابنته قادرة على تجاوز كل ما قد يلحق بها من مشاكل من جراء هذه الزيجة وأنها قوية من الداخل، ومتماسكة نفسيا وعاطفيا ودينيا فيغير رأيه، وقد تكتشف الفتاة أن والديها محقين فيما صوروه لها في حال أقبلت على هذا الزواج وتغير رأيها
في هذه القضية، هناك أسئلة هامة جدا تدور في ذهن الوالد ولا تلتفت لها الفتيات، ومنها:
- هل يتعاطى والده امام الجميع.
- هل تستطيع ابنته تحمل تعاطي الأب أو ظهوره في حالة سكر أمامها وأمام الأبناء في المستقبل.
- هل لدى ابنته قوة وجلادة لتتحمل الإحراج، وبعض المخاطر التي قد تطالها بسبب غياب عقل الأب وما ينتج عن ذلك.
- هل سيحدث لإبنتي ما نسمع عنه من حوادث لا تمت للدين بصلة ولا للأخلاق بسبب غياب عقل الوالد، خاصة وأن الوالد يحق له دخول بيته أو بيت ابنه متى يشاء.
- وبعض الآباء يفكرون بالنسب والعلاقة الإجتماعية بين الأسرتين، فيفكر الأب بالعنصر الجديد الذي سيفرضه على العائلة ككل، وقد لا يتحمل الأب أن يعيره أفراد العائلة أو العشيرة بأنه أدخل للعائلة رجل لا ينتمي لمستواهم الديني، أو الإجتماعي، ولا يتخيلون الفضائح التي ستلحق بإسم العائلة عندما يقبض على مثله!!! ولقد مر علينا حالة كهذه عندما رأينا أحد المخالفين للقوانين وقد تم القبض عليه، وبعد فترة طلبوا منه التواصل مع شخص كي يكفله قبل الإفراج عنه، فقام وأعطاهم إسم نسيبه ليخرجه من ذلك المكان! وربما فعل ذلك لعلو نسب تلك العائلة وشهرتهم، وربما كي لا يعلم أقاربه بهذا الأمر فيولي المسؤولية للنسب الجديد... وهذا الأمر يسبب إحراج كبير بالنسبة (للرجـــــــال) وهو أمر قد لا تعيه الفتيات، وبعد هذه الحالة أنهال اللوم على الفتاة كونها لم تستمع لنصائح والديها مسبقا، وعندها استوعبت مقدار الإحراج الذي لحق بوالدها، وبدأت المشاكل بينهما... ومنذ فترة وصلني حالة مشابهة لزوجة أحضر زوجها والده ليعيش معه بعد وفاة والدته، ولقد كان والد زوجها يتعاطي الخمر ولم يستطع الزوج منعه، فاضطرت الزوجة إلى هجر بيتها بسبب الخوف الذي تعيشه كلما عاد عمها إلى المنزل قبل عودة الزوج..... وفي حالة مثل هذه كان عرضنا على الزوج أن يسكن والده في شقة مجاورة كي يكون قريب منه ويرعاه، أو يبني له غرفة في فناء المنزل، ومثل هذه الحلول قد يستطيعها المقتدر وقد لا يستطيعها من لم يملك المال....
من تجاربنا في مجال الإستشارات ترجح لدينا أن مخاوف الأهل ( المثقفين والعقلاء والحكماء ) والتي نقلوها لأبنائهم قبل الزواج، كانت في محلها بنسب كبيرة جدا.
أكرر هنا، أن الشاب المتدين لا صلة له بعدم صلاح والده، ويحزن الإنسان لفقدانه، وهناك الكثير من العائلات لا تمانع من تزوجيه ولا تهتم بحال والده إن كان يتعاطى مخدرات أو يفعل ما هو أكبر من ذلك، وهناك عائلات تتفق مع والد السائلة في عدم قبوله.... ولكن بالنسبة للمستشــــــــــار فعليه أن يفتح أمام السائل جميع الملفات، ويساعده في فهم طريقة الوالدين في التفكير، ويضع أمامه بعض السلبيات التي قد تواجهه، ويعرض عليه تجارب الآخرين، ثم يضع الخيار بين يديه، ولا يلقنه ما يفعل.
بالتوفيق