الغيبة ومشتقاتها وحكم تحريمها في الاسلام
لما اعترف ماعزاً رضي الله عنه بالزنا ، وأراد تطهير نفسه في الدنيا ، أَمَرَ بِهِ النبي صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : انْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ ، فَسَكَتَ عَنْهُمَا ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ ، فَقَالَ : " أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ ؟ فَقَالَا : نَحْنُ ذَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ ، فَقَالَا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا ؟ قَالَ : فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيهَا " [ أخرجه أبو داود بهذا اللفظ ] .
المغتابون ! هم الذين يأكلون لحوم البشر نيئة ، الذين امتلأت قلوبهم حقداً وحنقاً وحسداً ، الذين لا هم لهم إلا التفكه في المجالس بأعراض الناس ، الذين يقطعون أوقاتهم بكسب السيئات ، ويهدرون ساعاتهم بتحصيل العقوبات .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، . . . . . نَظَرَ فِي النَّارِ ، فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ ، فَقَالَ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ . . . " [ أخرجه أحمد بسند صحيح ]
المغتابون ! لا يعرفون لله طريقاً ، ولا لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم مسلكاً ، الذين فقدوا مشاعر الأخوة ، ومُزقت من قلوبهم الرحمة ، هم آكلوا الجيف ، الذين امتلأت مجالسهم ريحاً ونتناً ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَارْتَفَعَتْ رِيحُ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ ؟ ، هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ " [ أخرجه أحمد بسند حسن 23/97 ] .
المغتابون ! هم الذين تخلو مجالسهم من ذكر الله ، وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وستكون عليهم حسرة وندامة في قبورهم ، ويوم بعثهم ونشورهم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً ـ حسرة وندامة ـ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " [ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي ، وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، وأنى لمجلس تؤكل فيه الميتة أن يُذكر الله تعالى فيه وقد حرمها ، حيث قال سبحانه : " حرمت عليكم الميتة " ، وأنى لمجلس تدار فيه أطباق اللحوم البشرية النتنة أن يُذكر فيه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وقد حذر منها ، حيث قال : " إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا : فَيُعَذَّبُ فِي الْبَوْلِ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُعَذَّبُ فِي الْغَيْبَةِ " [ أخرجه ابن ماجة وأحمد من حديث أبي بكرة وقال الألباني رحمه الله : حسن صحيح ، صحيح سنن ابن ماجة 1/126 ] .
فلا يجتمع ذكر الله ، والذكر المحرم ، ولا يلتقي ذكر رسول الله ، والذكر المحذور ، فيا حسرة على العباد ، ما أصبرهم على النار .