أنا شيء
.
.
.
انتهى .....
في ذلك المكان
من على ذلك الحائط الأبيض انتزعوني
كانوا يتجادلون بخصوص التحضيرات لزواج الصبي الكبير الذي صار شابا وبهذه المناسبة فقد اقترحت الحنونة أن يقوموا بترميم المنزل
وكأني لا أليق بالإحداثيات الجديدة .. !
كانت العائلة الصغيرة تحضر لاستقبال العروسة الجديدة التي لم أحظَ برؤيتها
ولم أحزن لذلك ..
بقدر حزني حين رفعتني تلك اليد الغليظة - التي حملتني سابقا-
- خذي هذه الساعة مع الأغراض التي سترسل للجمعية
- أوه ساعتي الجميلة ..
وامتدت يدها الحنونة لتمسح على وجهي وكأنها تمسح دموعي ووحدتي
أو تمسح على رأس يتيم نُفي من بيته
ثم غيبتني في ظلام الكراتين !
في ذاك الظلام كنتُ أعيش على نورِ الذكريات وأسترجع السنوات التي أمضيتها مع عائلتي السابقة
ولم يقطع ذلك غير يد مرتجفة ترفعني من الكرتون الذي خنق أنفاسي
مرت برهة من الوقت قبل أن أكتشف أني وقعت في يد هاوٍ عجوز يجمع الأثريات ويقتني الساعات
في ذلك الصالون العتيق والمفعم برائحة الخشب
المزدحم بالتحف والزجاجيات
المتراكم بالوقت المقولب في مختلف الساعات
وجدت حياتي الجديدة
كانت عقاربي تشير إلى الواحدة ظهرا عندما انتبهت إلى أنها لم تكن العقارب الوحيدة في المكان
فساعة البندول دقت قبل قليل عندما دخل العجوز ليرتب المكان ويدور ممسكاً بي باحثاً عن المكان الأنسب ليعلقني
كان العجوز متمهلاً كثيراً فتارةً يضعني وتارةً يرفعني
إلى أن استقر في اختيار مكان مقابل لساعة البندول
كان المكان مزدحما بالوقت .. فالساعات في كل مكان
ساعة رملية في إحدى الزوايا مخصرة كفساتين النساء الراقيات
هادئة كانسكاب جدول ماء رقراق
وساعة رنانة مشاغبة على مكتب قريب من الباب علمت فيما بعد أنها تدق مع كل شروق شمس ٍفي يوم جديد
وكأنها تنادي العجوز للبدء بالعمل
مكتب العجوز لا يُرى لونه من الأوراق والكتب وهواتف قديمة وفاكس وآلة طباعة
هذا العجوز الذي تعلمت منه أنني لست شيئاً معلقاً فحسب بل تعلمت منه قيمتي وروحانيتي .. هو عالم فلكٍ وباحث قدير
تعلمت
أنني شيء .... روحاني
ومعنوي
وما ذلك الإطار الخشبي الذي يحتويني إلا ... شكل من أشكال المكان المقيدة ... والتي لا تستطيع أن تضع حداً للزمان اللا متناهي
لم أكن أعلم أنني ساعة مكة الشامخة في قلب العالم ومركز الأرض
وأنني بيج بن الأكثر شهرة في عالمي الزمني
لم تكن تلك المسلات الفرعونية إلا شكل من أشكال التطور في تاريخي وكنت الظل الذي قاموا بقياسه في ساعات الصباح الأولى
وبحثوا عنه فلم يجدوه في منتصف النهار ...
فكان ذاك إشارة إلى بدء المساء .. أن يطول الظل قليلا قليلا ناحية الغروب
أنا المزولة الشمسية القديمة في عصور ما قبل الميلاد
أنا ساعة الجيب الخجولة في القرن السادس عشر
والبندول المتأرجح في القرن السابع عشر
و ساعة اليد في القرن العشرين
أنا سويسرا في أذهان البشر
أنا الليل والنهار والأرض الدائرة في حضرة القمر
(لا الشمسُ ينبغي لها أن تدركَ القمر ولا الليلُ سابقُ النهار وكلٌ في فلكٍ يسبحون)
أنا القيامة إذا ذكر الحشر (ويومَ تقوم ُالساعةُ يقسِمُ المجرمونَ ما لبثوا غيرَ ساعةٍ)
أنا السيف الذي يقطع أعناق الأيام ...
والمستقبل القادم بإصرار وثبات وإقدام
أنا شيء..
معلقٌ
أمام عينكَ أينما نظرتَ
وباختصار
.
.
.
أنا عمر الإنسان
دقات قلب المرء قائلةٌ لهُ * إن الحياة دقائقٌ وثواني
انتهت
أم عبد الملك - الرياض
11\7\1435 هـ