عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 3  ]
قديم 2014-04-06, 2:18 AM
اميرة الجنوب
دعـم شهري حتى تاريخ 2019/11/3
رقم العضوية : 103904
تاريخ التسجيل : 21 - 2 - 2010
عدد المشاركات : 2,731

غير متواجد
 
افتراضي
.......ومر عامان إلا بضعة أشهر وجاء موسم انتخابات نقابة المحامين ،وتزاحمت علىَّ الأحداث ذلك أن أحد أصدقائي رشح نفسه لمنصب النقيب وكانت ضريبةالصداقة والوفاء توجب علىّ الوقوف بجانبه عن طريق جلب الأنصار وتحييد الخصوم ، وحدثأن واعدني أحد الأصدقاء لمقابلة بعض الأنصار فى نفس الفندق الذى التقيت فيه بالوزيرالسابق وقبل الموعد المضروب كنت أجلس فى نفس الركن الشرقي ارتشف فنجان القهوةالمضبوط ، وأمسح حبات العرق التى سالت على جبيني من فرط حرارة الجو ، وإذا برجل طاعن فى السن يتوكأ على عصاه ، ويتوجه على مهل إلى طاولة فى أقصى المكان …. منفرداً …. منزوياً … نعم كان هو الوزير السابق صاحب اليد الحمراءالمشوية.
وبعد أن جلس واستوى على مقعده حانت منه التفاتة إلى الطاولة التى أجلس عليها , ثم إذا ببصره يعود ويستقر عندى للحظات ، وكان أن تبادلنا الإبتسامات والإيماءات ، ولغير سبب واضح قمت من مقعدي وتقدمت للوزير السابق محيياً مذكراً إياهبنفسي ، وبنفس الملامح الطيبة التى رأيتها عليه من قبل دعاني للجلوس ، وبعد التحيات والسؤال عن الصحة والكلام عن الجو الحار والزحام وقعت عيناي رغماً عنى على يده فوجدته – ويالعجبي – يرتدي قفازه الأسود !! – رغم حرارة الجو – فقلت بغير دبلوماسية وبعبارات فجة متطفلة لا أعرف كيف خرجت مني .. كيف حال يدك يا معالى الباشا … أشفيتإن شاء الله … حرق هو أليس كذلك؟ … وبكلمات بطيئة متلعثمة وجلة قال … نعم حرق ولكن ليس كأى حرق … إيه ربنا يستر.
ولدهشتي استرسل الوزير السابق فى حديثه وكأنه يحدث نفسه … طبعاً إنت عارف ماذا كان موقعي فى الدولة ، كنت الآمر الناهي وكان الجميع يخطب ودي تصورت أنني أعز من أشاء وأذل من أشاء وتصورت أن المنصب سيدوم لى أبد الآبدين لم أفكر فى يوم من الأيام أن هناك خالقا وأن هناك حسابا ، فحبست وعذبتوخربت بيوت بغير حق بل وأحياناً دون سبب … وجاء يوم وليته ما جاء كنت عائداً إلىبيتي تحيطني سيارات الحراسة من كل جانب ، ولسوء طالعي وقع بصري على كشك سجائر قابع فى جانب من الطريق فأستقبحت منظره ، وفى اليوم التالي أصدرت قراراً بإزالة الكشك وفي غضون دقائق معدودة بعد صدور القرار قامت قوات وجحافل بإزالة الكشك حتى لا يقععليه بصري وأنا عائد إلى بيتي ، لا تسألني عن صاحب الكشك ولا عن حقوق الإنسان فوقتها لم يشغل هذا الأمر تفكيري ولو للحظة ، وقطع الوزير كلامه قائلاً: تشرب شاي لا زم والله… وقبل أن أرد عاد إلى حديثه دون أن ينتظر إجابتي … وأثناء عودتي نظرت إلى مكان الكشك فوجدت رجلاً متهالكاً يجلس على الأرض ومعه امرأة متشحة بالسواد وأطفال حفاة أقرب إلى العراة ، وعندما اقترب الموكب من المكان تمهل الركب لغير سببوكأننا مجموعة من الحجاج يطوفون حول بقعة قدسية ، فإذا بالرجل الجالس يهب واقفاً قائلاً بأعلى صوته يا فلان إتق الله.. إتق الله.
وضايقتني العبارات أشد المضايقة فسألت أحد اللواءات الذين كانوا يرافقونني من هذا؟ فقال لى: إنه صاحب الكشك .. ولم أنتظر لليوم التالى بل وأنا فى سيارتى أصدرت قراراً بإعتقال صاحب الكشك ثم اتصلت تليفونياً ببعض أعواني وأمرتهم بتأديب الرجل … ومرة أخرى قطع الوزير كلامه قائلاً: الله …ألم تطلب شاي لازم والله … ثم وبنفس الإسترسال ودون انتظار الإجابة إستمرقائلاً … أرقتني عبارة الرجل إتق الله كانت صادقة وقوية ومجلجلة ، لم أتعود أن يقولها أحد لي من قبل ، هل تصدق أنني عندما ذهبت إلى بيتى تحدثت مع قريب لى فى كلية دار العلوم حتى يشرح لي معنى كلمة “إتق الله” لا أعرف لماذا توقفت هذه الكلمة عند أذني وتجاوزت سمعي إلى داخل أحشائي فإذا بألم شديد يمزق معدتي … ومع بعض المسكنات والمهدئات حاولت أن أنام ولم أستطع وفى اليوم التالي رأيت فى ذات المكان إمرأة صاحب الكشك وهى متشحة بسوادها ومعها أطفالها العراة ، وإذا بصوتها هي الأخرى يعلوامجلجلاً يا فلان إتق الله ، وفى بيتي لا حظت زوجتي أرقي فهدأت من روعي وقالت لي: لاتخش شيئاً أنت من أهل الجنة خدماتك على البلد كثيرة حد يقدرينكر.
هل تصدق ياأستاذ … هو بالمناسبة ألم تطلب شيئا ؟؟ الله ألم تطلب شاي لازم والله ، وعرفت أنه لن ينتظر إجابتي وبالفعل استمر فى استرساله الغريب … هل تصدق أنني نمت يومها نوماً عميقاً … وياليتني ما نمت …. وهنا بدأت دموع الرجل تنساب وبدأ صوته يتهدج ، نمت ورأيت في نومي أن القيامة قد قامت ورأيتني عارياً من ملابسي، وإذا بملائكة غلاظ شداد لا أستطيع أن أصفهم لك يجذبونني بعنف إلى النار وأنا أقاوم وأحاول أن أبحث عن حراسي ورجالي ولكن للأسف لم أجد أحداً معي يناصرني أو يدفع عني العذاب ، هل تصدق أنه أثناء جذب الملائكة لي رأيت زوجتي فقلت لها انقذيني فقالت : نفسي نفسي ، فتعجبت !! وقلت لها : ألم تخبريني أنني من أهل الجنة ؟ فلم ترد ،حاولت أن أناقش الملائكة فقلت لهم لقد قدمت لمصر الكثير ستجدون أعمالي الباهرة فى ميزان حسناتي فلم يرد علي أحد منهم ، وأثناء جذبي وجرّي نظرت إلى الجنة فوجدت قصراًعالياً شامخاً ليس له مثيل يظهر من خلال أسوار الجنة ، هل تصدق أنها أسوار تشف ماخلفها!! فقلت للملائكة هذا قصري خذوني إليه فقال أحد الملائكة إنه قصر صاحب الكشك فقلت ولماذا استحقه فقال الملاك لأنه لم يرضخ للظلم وقال كلمة حق عند سلطان جائرفهو شهيد ، فقلت وأين مكاني قالوا فى الدرك الأسفل من النار ، وقتها حاولت التملص منهم وكنا قد اقتربنا من أبواب الجحيم ، وعندما هممت بدفع أحد الملائكة بيدي هذه إذا بلفحة بسيطة من حر جهنم تصيبني فى ظهر يدي ، آه لو تعرف يا أستاذ مدى الألم الذي أصابني لا يوجد مثله مثيل على وجه الأرض ، مجرد لفحة بسيطة لا من النار ولكن من حر النار ، فقمت من نومي صارخاً فزعاً ونظرت إلى ظهر يدي فإذا به وكأنه احترق ورائحة الشواء تتصاعد منه وآه وآه وألف آه أسرعت بالإتصال تليفونياً بأحدرجالي فإذا به يخبرني أن صاحب الكشك مات من التعذيب … مات لا وألف لا …. صرخت قائلاً … أعيدوه للحياة …. أعيدوه للحياة أعيدوا له الكشك …. ولكن لا حياة لمن تنادي … سبقتني يدي إلى النار … كنت قد اندمجت مع حكاية الوزير حتى أنني لم ألحظ بكاءه ونشيجه ، وكان بدني كله مقشعراً وكأنني قنفذ تائه فى صحراء , ونظرت حولي فإذا ببعض الجالسين المتطفلين ينظرون إلينا بإهتمام بالغ ، وتدحرجت كلمات مني لا علاقةل ها ببعض : يا باشا ربنا غفور رحيم أطلب منه المغفرة … على فكرة أنا ممكن أطلب شاي …. هو الرجل مات فعلاً …. هى النار جامدة قوى … ربنا يستر …. ربنا يستر ….. وبعدهنيهة عاد الهدوء للرجل وإكتسى وجهه بملامح طيبة وظهرت فى عينيه نظرة رجاء واستعطافثم قال ربنا غفور أليس كذلك ثم أردف إتفضل أشرب شاي.
ولاحول ولا قوة الا بالله ....................


توقيع اميرة الجنوب
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالـي البالـي
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغيّر الله من حال إلى حالي
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,