عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2014-03-22, 3:13 PM
حامد نوار
عضو متميز بالمنتدى
رقم العضوية : 127765
تاريخ التسجيل : 4 - 9 - 2010
عدد المشاركات : 11,184

غير متواجد
 
افتراضي خصائص التربية في مدرسة النبوة...
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

تتصف العملية التربوية الإيمانية بعدة خصائص تميزها عن غيرها وتوقفها شامخة فوق دروب العمليات الحياتية جميعها , والمربون الذين لا يدركون هذه الخصائص الهامة والأساسية يقعون في ذلة الهوى أو الاجتهاد الضعيف المهترئ القائم على قلة العلم والخبرة .

وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم خصائص العملية التربوية الإيمانية في مدرسة النبوة الرفيعة المقام , وبينها أحسن بيان , فكانت بنيانا رائعا , ونموذجا متكاملا لكل مرب ومعلم وداعية إلى الخير والنور والهدى , ومافتىء المربون الناصحون على هدي تلك الخصائص وهذي السمات يربون الصالحين جيلا منتصرا بعد جيل , حتى ألمت بنا خلوف بعيدة المشرب متعكرة النبع قد التمست الفلاح بعيدا عن مدرسة النبوة , فخرجت لنا مانراه من حالة منكسرة , ونفسية منهزمة لكثير من أبناء هذا الجيل .

وتلك الخصائص التي سوف نحكي عنها بإيجاز أشبه ما تكون بأعمدة البناء للعملية التربوية الإيمانية التى لا يسع المربي تركها أو إهمالها على أية حال ..


أولا : العقائدية :
وهي الأساس الأول الذي ينبني عليه المنهج التربوي الإيماني فالباحث عن سبب تزعزع الأمة الإسلامية يجد أنه ضعف الإيمان والباحث عن سبب كل نقص ألم بالأمة يجد أنه الإيمان أن الأمة قد ابتليت بالذين يهملون الإيمان في قلوبهم حتى يصير كالثوب الخلق كما ابتليت بالذين ينشغلون يدنياهم عما يجول في قلوبهم , وحين يصيب وهن الإيمان وزلزال العقيدة قلوب المربين يكون المصاب كبيرا والجراح غائرا .. إنه يجب أن تستقر العقيدة في قلوب الداعين إليها ثم يدعون الناس إليها علمًا وعملاً وتطبيقًا لا مجرد علم نظري , لا رصيد له في القلوب ولا في الواقع .

إن مصطلح العقيدة يراد به ما يعقد علية القلب من الإيمان بروبية الله وأسمائه وصفاته وتوحيده بالعبادة والطلب والقصد ( سواء كانت عبودية القلب أو اللسان أو الجوارح ) , والتبرؤ من كل ما يعبد من دون الله , كما تشمل أيضا الإيمان بالملائكة والكتب المنزلة والرسل واليوم الآخر والجزاء والحساب والجنة والنار والقدر خيره وشره , فهي إذن تحيط بمناحي الحياة كلها بل وتضع ظلالها الوفيرة على كل سلوك للمؤمن في حياته وحتى مماته , إذ يقول سبحانه " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " , ولقد جاءت دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام كلها دائرة حول هذا المحور - محور العقيدة - ابتداء .

والمربي يجب عليه أن يغرس العقيدة الصحيحة في قلب من يربيهم ويعلمهم ولا يتركهم نهبا لأهواء وأفكار قد تنهش قلوبهم وتباعد بينهم وبين سبيل الهدى , ومن هنا يبدو ما نريده من قولنا أن على المربي أن يكون منتبها لما ينتشر من المناهج المنحرفة كعقائد التصوف القبوري أو الحلولية ( التي انتشرت أخيرا في صور متعددة) أو الذين يعتمدون مناهج ضالة يرتضون فيها الانحراف عن النهج النبوي السليم أو الذين يفرقون بين أنبياء الله أو بين صحابة رسول الله ويسبونهم وينسبون لهم النواقص .

إن العقيدة التي تلقاها العلماء بالقبول – عقيدة أهل السنة والجماعة - هي السبيل المستقيم والمنهج القويم قال الله تعالي : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذالكم وصاكم به لعلكم تتقون )
وقد علمتنا مدرسة النبوة أن نبدأ بالدعوة إلى العقيدة الصافية النقية , وألا نحيد عن هذا المبدأ قيد أنملة , فرفضوا أن تبدأ دعوتهم لجمع الناس على أي هدف إلا العقيدة, مهما كانت, حتى لو كانت أهدافًا أخلاقية سلوكية, أو اجتماعية... أو غيرها.
وكانوا قادرين - عليهم السلام - أن يجمعوا الناس تحت أية راية أخرى حتى إذا اجتمعوا بلغوهم العقيدة وطالبوهم بها, ولكن الله سبحانه لم يرد ذلك منهم, لقد أراد الله سبحانه من أنبيائه عليهم السلام البدء بدعوة الناس إلى عبادته وتوحيده وخلع كل ما يعبد من دونه.

ومن ذلك يتبين خطأ كل داعية يتخفى في ثوب غير ثوب الدعوة إلى العقيدة التوحيدية الصافية بدعوى جمع الناس حوله أو تثبيت أقدامه بينهم , فقد بدأ الأنبياء جميعهم عليهم الصلاة والسلام من طريق الدعوة إلى العقيدة والتوحيد برغم مشقته وعنائه وبلائه, وكان في مقدورهم البدء مع أقوامهم من غير هذا الطريق ولكنهم أبوا ذلك أبدًا.

من جانب آخر يجب على المربين الربط دائمًا بين سلوك المسلم في حياته اليومية وبين عقيدته الإسلامية برباط وثيق, كما يجب التنبيه دائمًا على مسألة التحرك بالعقيدة والعمل بها, وتشربها تشربًا تامًا, وألا يكتفى في تدريس العقيدة بالدراسة النظرية في كتاب أو كتابين, بل أن تتعدد طرق تدريس العقيدة وأساليب تدريسها وتتنوع .

ثانيا : العلمية :
إن الحاجة إلى العلم لا تقل عن الحاجة إلى الطعام والشراب والكساء والدواء, فإن القلوب لا تحيا بغير علم كما أن الأجساد لا تحيا بغير زاد , و العلم الشرعي هو هدي الأنبياء, ومن تركه فقد ترك هديهم, والله سبحانه يقول: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}, وقال صلى الله عليه وسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه: (العلماء ورثة الأنبياء)أخرجه أحمد

وقال سبحانه عن إبراهيم - عليه السلام - في دعوته لأبيه: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} , وقال سبحانه عن يعقوب عليه السلام: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} , وقال سبحانه: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} , وقال عن نوح: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.{

قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "تعلموا العلم؛ فإن تعلمه لله خشية, وطلبه عبادة, ومدارسته تسبيح, والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه, وبذله لأهله قربه, وهو الأنيس في الوحدة, والصاحب في الخلوة, والدليل على الدين, والمصبر على البأساء والضراء, يرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة سادة هداة يقتدى بهم, أدلة في الخير, تقتص آثارهم وترمق أفعالهم, يبلغ العبد به منازل الأبرار والدرجات العلى, والتفكر فيه يعدل بالصيام ومدارسته بالقيام, به يطاع الله عز وجل وبه يعبد وبه يوحد ويمجد وبه يتورع وبه توصل الأرحـام وبه يعرف الحلال والحرام, وهو إمام والعمل تابعه, يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء".
والسلف الصالحون قد أتعبوا أنفسهم وبذلوا في تحصيل العلم كل غالٍ ونفيس, وكان أحب إلى أحدهم باب من العلم يأخذه من الطعام الشهي يتقوته.


العلم الذي أقصده (هو الخشية ) , والعلم الذي لا يولد الخشية علم يحاسب الإنسان عليه حسابًا شاقًا عسيرًا, فينبغي أن يتربى المؤمن على أن يتعلم من العلم الخشية والإخلاص, ولا يبتغي به الرياء والدنيا , قال الإمام أحمد رحمه الله: أصل العلم خشية الله تعالى, فالزم خشية الله في السر والعلانية".


فلا علم مع جرأة على الله سبحانه, ولا مع استمرار على ذنب, ولا مع ذهاب للحياء, وكم من طالب علم بعيد عن الخشية, يحصل العلم تحصيل التجارة ليربح شهرة أو ليشار إليه أنه عالم, فينحدر مع أول مزلق وينكسر مع أول ريح!!
والعلم يقتضي العمل, وهو مبدأ هام وواجب كبير لابد من ترسيخه في قلوب المتعلمين: قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُم}, وقال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} .


وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها) , فيلزم الاهتمام بالعمل بالعلم اهتمامًا كبيرًا, كما يلزم متابعة ذلك من قبل المعلمين والتأكيد عليه باستمرار.


ثالثا : العبودية :
وهي المقصودة من صلاة وصوم وذكر وآداء الفرائض والنوافل وعبادة القلوب كالخوف والرجاء والإخلاص والإنابة لله سبحانه وغيرها , وثمة مقياس واحد لقبول العبادة أو ردّها علمه لنا الإسلام هو (الإخلاص لله والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ) وسميته مقياسًا واحدا رغم أنهما عملان مختلفان لأنهما لا ينفصلان أبدًا, وإذا ما افترقا فسد العمل, فكانا كالشيء الواحد كما قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} , والعابد الذي يرجو أن يتقبل الله عمله لابد أن يتحرى الدقة كاملة في هذا المقياس وإلا صار عمله ضائعًا وجهده مردودًا عليه, قال الله تعالى عمن عبد ولم يخلص: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} ,.


والعبادة فضل منه سبحانه, ونعمة منه عز وجل وتكرم وجود, وهي ليست باجتهاد إنساني أو نشاط جسدي فحسب بل هي بتوفيق رباني أيضا فكلنا فقير إلى توفيق ربه كي ييسر له العبودية المقبولة. لهذا كان من أفضل ما يسأل الرب تبارك وتعالى الإعانة على مرضاته , فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: (يا معاذ والله إني لأحبك, ثم أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)أخرجه أبو داود , وينقل ابن القيم في مدارجه قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "تأملت أنفع الدعاء, فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته, ثم رأيته في الفاتحة في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .


والعبادة تفتقر إلى الاستعانة به سبحانه دوما ؛ لأنها بغير استعانة قد تفضي بالإنسان أن يفرح بعمله ويعجب به, ولأنها تفرغ القلب من مقام الاستعانة والتوكل, وهو مقام لا تكتمل حياة القلب إلا به , فيجب على المؤمن إذا عبد ربه - سبحانه - أن يستعينه ويتوكل عليه في عبادته له إذ إنه سبحانه هو الموفق لطاعته

والعبادة لازمة للمسلم حتى يلقى ربه سبحانه وتعالى, لقوله عز وجل: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} , قال ابن القيم رحمه الله: "فلا ينفك العبد من العبودية ما دام في دار التكليف, ومن زعم أنه يصل إلى مقام يسقط عنه فيه التعبد فهو زنديق كافر بالله وبرسوله, بل كلما تمكن العبد في منازل العبودية كانت عبوديته أعظم والواجب عليه منها أكبر وأكثر من الواجب على من دونه"


يتبع .........>>>>>>>>>>>>>>>