عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2008-03-21, 8:21 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي إني مهاجرة إليك
إني مهاجرة إليك

في كل صباح بعد صلاة الفجر ، تشهد هذا الجمال ...
الشمس حين تشق طريقها بين ثغور السماء المسجاة بالظلمة..
تنبثق خيوط نورها لتجتمع باقاتُ نورٍ يشع بها الكون ضياءً وابتهاجاً معلناً
بداية نهارٍ مفعم ٍ بالنشاط ..
مشهدٌ رائع لشروق الشمس حين تجلي ذلك السواد عن السماء فتظهر زرقتها للعيان
كأنها الياقوت .
جالت ببصرها في الأفق ترقب التقاء السماء بالأرض المنبسطة..
مروجٌ تحيا بخضرةٍ نضرة ، الطيور تغرد مسبحةً لخالقها قبل أن
تبدأ رحلتها محلقةً في أسرابٍ منتظمة، وأغصان الأشجار تعانق بعضها بكل ود
فرحاً بدفءالشمس.
وفوق هذا الجمال يفوح عبق الزهور المتفتحة وكأنها تدعوك لتشتم
عبيرها الزكي .
ويكمل جمال تلك اللوحة الربانية .. ذلك الأشم الذي يقف في صدرها كأنه
قائدٌ همام ، يقف بكل جلدٍ وقوة ، ولكنه مع ذلك فيه من العطف ما
يسمح للخضرة أن تكسوه ، وقطيعٌ من الخراف أن تطأَه .
أعجبها منظر تلك الخراف الصاعدة سفح الجبل بكوراً
طلباً لكلأٍ تعتاش منه...
حينها تذكرت أن يومها قد يفوت وأنها لا بد لها أن تعمل لتسير دفة الحياة نحو الأفضل.
ودعت والدتها بقبلةٍ طبعتها على جبينها المضيء ، ثم
يممت شطر والدها تقبل يديه ، وخرجت سائلةً دعاءهما لها بالتوفيق.
بعد انقضاء ساعات العمل ،عادت إلى البيت، وسارعت لتمد يد العون لأمها الرؤوم.
وفي المساء، قبل غروب الشمس حملت كتابها متجهة نحو لوحتها الخلابة تدقق النظر
فيها وتهيم بين قسماتها علها تسطر ما يمليه عليها الوجود من كلمات التأمل التي تفيض
عرفاناً لخالق هذا الكون .
وقبل أن تشارف على الإنتهاء من آخر سطر ، سقطت على كتابها ورقة صفراء شاحبة...
نظرت إليها كمن يرثي فقيداً، ثم رفعت رأسها فرأت تلك الطيور التي غادرت صباحاً عائدة من رحلتها،
وقطيع الخراف نزل بادناً من سفح الجبل ،ثم لمحت السماء
والشمس تغوص مودعةً الدنيا ببطءٍ في الأفق تاركةً بصيصاً من نورها شفقاً احمراً
يعلن حلول الليل في هذه البقعة من الأرض...
وسكن كل شيءٍ في لوحتها الجميلة وعمت عليها سدول الليل البهيم ، فلم تسمع
حينها إلا رجع أنفاسها تعم المكان...
أطرقت برهة مسترجعةً ذلك المشهد من الصباح إلى المساء ..
رحلةٌ بدايتها هجرةٌ وعمل مستمر ، ونهايتها استقرار وسكون....
نهارٌ وليل ٌ متعاقبين دائبين ... الكل يعمل دون كلل أو ملل ...
وفي تلك اللحظة أطلقتها بهمسٍ شق صمت الظلمات ...

إلهي إني مهاجرةٌ إليك..
وائل الشريف