عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2014-02-07, 4:46 PM
هيام الحب
عضو جديد
رقم العضوية : 187236
تاريخ التسجيل : 4 - 11 - 2013
عدد المشاركات : 71

غير متواجد
 
Smile فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه
كان صلى الله عليه وسلم

أفصح خلق الله ،

وأعذبهم كلاما ،

وأسرعهم أداء ،

وأحلاهم منطقا ،

حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويسبي الأرواح ،

ويشهد له بذلك أعداؤه .

وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد ،

ليس بهذ مسرع لا يحفظ ،

ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام ،

بل
هديه فيه أكمل الهدي ،

قالت عائشة :


ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا ،

ولكن كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه .

وكان كثيرا ما يعيد الكلام ثلاثا ليعقل عنه ،

وكان إذا سلم سلم ثلاثا .

وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة ،

يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه ،

ويتكلم بجوامع الكلام ،

فصل لا فضول ولا تقصير ،

وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه ،

ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه ،

وإذا كره الشيء عرف في وجهه ،

ولم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا .

وكان جل ضحكه التبسم ،

بل كله التبسم ، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه .

وكان يضحك مما يضحك منه ،

وهو مما يتعجب من مثله ويستغرب وقوعه ويستندر .

وللضحك أسباب عديدة هذا أحدها .

والثاني : ضحك الفرح ، وهو أن
[ ص: 176 ] يرى ما يسره أو يباشره .

والثالث : ضحك الغضب ، وهو كثيرا ما يعتري الغضبان إذا اشتد غضبه ، وسببه تعجب الغضبان مما أورد عليه الغضب ، وشعور نفسه بالقدرة على خصمه ، وأنه في قبضته ،

وقد يكون ضحكه لملكه نفسه عند الغضب ، وإعراضه عمن أغضبه ، وعدم اكتراثه به .

وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فكان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق ورفع صوت ،

كما لم يكن ضحكه بقهقهة ، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا ، ويسمع لصدره أزيز .

وكان بكاؤه

تارة رحمة للميت ،

وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها ،

وتارة من خشية الله ،

وتارة عند سماع القرآن

وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية .

ولما مات ابنهإبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال :

(تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ) ،

وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض ،

( وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء وانتهى فيها إلى قوله تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) [ النساء : 41 ] ،

وبكى لما مات عثمان بن مظعون ،

وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكي في صلاته ، وجعل ينفخ ويقول : ( رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم
[ ص: 177 ] وهم يستغفرون ونحن نستغفرك ) وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته ، وكان يبكي أحيانا في صلاة الليل .

والبكاء أنواع .

أحدها : بكاء الرحمة والرقة .

والثاني : بكاء الخوف والخشية .

والثالث : بكاء المحبة والشوق .

والرابع : بكاء الفرح والسرور .

والخامس : بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله .

والسادس : بكاء الحزن .

والفرق بينه وبين بكاء الخوف ،

أن بكاء الحزن

يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب ،

وبكاء الخوف

يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك ،

والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن ،

أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان ،
ودمعة الحزن حارة والقلب حزين ،

ولهذا يقال لما يفرح به : هو قرة عين ، وأقر الله به عينه ، ولما يحزن : هو سخينة العين ، وأسخن الله عينه به .

والسابع : بكاء الخور والضعف .

[ ص: 178 ] والثامن : بكاء النفاق ،
وهو أن تدمع العين والقلب قاس ، فيظهر صاحبه الخشوع وهو من أقسى الناس قلبا .

والتاسع : البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة ، فإنها كما قال عمر بن الخطاب : ( تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها )

والعاشر : بكاء الموافقة ، وهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر ورد عليهم فيبكي معهم ، ولا يدري لأي شيء يبكون ، ولكن يراهم يبكون فيبكي .

وما كان من ذلك دمعا بلا صوت فهو بكى -مقصور - وما كان معه صوت فهو بكاء - ممدود - على بناء الأصوات .

وقال الشاعر :

بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل

وما كان منه مستدعى متكلفا فهو التباكي ، وهو نوعان : محمود ومذموم ، فالمحمود أن يستجلب لرقة القلب ولخشية الله لا للرياء والسمعة . والمذموم أن يجتلب لأجل الخلق ، وقد ( قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه يبكي هو وأبو بكر في شأن أسارى بدر : أخبرني ما يبكيك يا رسول الله ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما ، ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم ) وقد قال بعض السلف : ابكوا من خشية الله ، فإن لم تبكوا فتباكوا .