ذات يوم وأنا عائدة من سفر في حافلة، استرعى انتباهي حديث دار بين طفلة لم تتجاوز الثانية عشر من عمرها ووالدها، كان يسألها عن معاملة هؤلاء الناس لها وكيف كانت تقضي أوقاتها معهم، وهي كانت تجيب وتحكي له عن بعض الأحداث التي مرّت بها مع هؤلاء الأشخاص بنبرات كلها اشتياق وحنين لوالدها ووالدتها وإخوتها...
كانت تتلمس وجه والدها بحنان وهي تسأله: كيف حال والدتي؟ كيف حال إخوتي؟ هل جدتي بخير؟
تأثرت كثيرا بذلك المشهد وفهمت أن تلك الطفلة، ذات التقاسيم الجميلة والعود الرقيق، كانت تشتغل خادمة عند أسرة في العاصمة، وأن والدها جاء بها من هناك لتقضي بضعة أيام في حضن أمها وإخوتها لتعود من جديد لاستئناف "عملها" لدى تلك الأسرة.
- لا أريد العودة. أريد أن أبقى معكم، قالت الطفلة لأبيها بصوت حزين.
يا له من موقف. ما الذي جعل الأب يضحي بابنته الرقيقة ويهبها خادمة لأسرة مجهولة مقابل دراهم معدودة؟
كيف تحرم فتاة مثلها من مقاعد الدراسة؟
بل بأي حق تنتشل طفلة من حضن أمها الدافئ وترمى في أحضان أسرة مجهولة؟
ألم يجد الأب إلاّ هذه الوسيلة للاسترزاق؟
هي أسئلة دارت في رأسي وأنا أشاهد ذلك المنظر المؤثر للغاية، لم أستطع أن استوعب مدى قسوة الظروف التي دفعت بالأب أن يجبر ابنته على الاشتغال كخادمة في تلك السن المبكرة. لم أستطع أن أبرر للأب موقفه وأنا أشاهد تقاسيم تلك الطفلة البريئة، وهي كلها حنين وشوق للارتماء في أحضان والدتها!!
وفي المقابل، مرّ في ذهني مشهد الأسر التي ترتاع من "الخادمات" وتعاملهن ككائنات غريبة تستوجب الاستعباد والجفاء، والتحكم فيهن بقبضة من حديد.
فهل يا ترى الحدث يصنع ظاهرة؟
هل فساد تلك الخادمة دليل على فساد كل الخادمات؟
هل التعميم مقياس عادل؟
او ليست تلك الخادمات بشر مثلنا مثلهن، لهن أسر ومشاعر؟
لو كانت ظروفهن جيدة، أ كنّ ليشتغلن خادمات؟
إن كنتم تعانون من "فوبيا الخادمات"، فاعتمدوا على أنفسكم ولا تلتجئوا للخادمة، لأنكم دائما سترون فيها وحشا آدميا يتربص بكم مهما كانت سوية، وقد تظلمونها تبعا لذلك.
الله الله في الخادمات..فهن أمانة في أعناق مشغليهن.
(بقلمي، مما رأيت)