عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 2008-03-13, 5:06 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي
هذا الموقف موقف في الآخرة أما موقف المائدة كان أين؟ كان في الدنيا، أما هذا موقف في الآخرة وإن قال بعض العلماء أنه موقف دنيوي لكنه بعيد كونه جاء بصيغة الماضي لا ينفي أنه سيكون يوم القيامة. {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ} نحن نعلم أن الله يعلم أن عيسى ابن مريم لم يقل هذا للناس والله ما أراد بهذا السؤال توبيخ عيسى وإنما أراد الله تقريع النصارى وتوبيخهم في يوم العرض الأكبر على ما اتهموا به نبيهم كذبا أنه دعاهم إلى عبادة نفسه وإلى عبادة أمه وقالوا بالأقانيم الثلاثة وزعموا أن المسيح ابن الله فأراد الله جل وعلا أن يبطل كيدهم ويظهر كذبهم على ملأ من الأشهاد بنطق عيسى نفسه فيقول الله جل وعلا يوم يحشر العباد، يوم الحشر يوم عظيم وقد مر بكم في حديث الشفاعة أن الأنبياء يقولون جميعا: (إن الله غضب غضبا لم يغضب قلبه ولا بعده مثله) فيتدافعون الشفاعة أولو العزم من الرسل حتى تصل إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فالموقف موقف جليل وخطب عظيم ودعاء النبيين يومئذ (اللهم سلم سلم).

في هذا الموقف في هذا الشأن يسأل الله جل وعلا عيسى {أأنت} كم همزة؟ همزتان، الهمزة الأولى للاستفهام والهمزة الثانية من أصل الكلمة، {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ} بدهيا كان المفروض عيسى يقول لا أو يقول لم أقله، لكن عيسى في هذه الآيات كما سيأتي ضرب أروع الأمثلة في الأدب مع الرب جل وعلا بدأ جوابه بقوله {سُبْحَانَكَ}.

وقد قال بعض العلماء إن عيسى عليه السلام قدم الجواب بكلمة سبحانك لسببين:
قدم الجواب بكلمة (سُبْحَانَكَ) لسببين :
الأول منهما: تنزيه الله عما أضيف إليه .
والأمر الثاني: الخضوع لعزة الله والخوف من سطوته.

من أجل ذلك قال هذا النبي الكريم {سُبْحَانَكَ} ثم قال بدأ يدخل في الجواب قال : {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} في أشياء يا أخي تملكها وفي أشياء أنت لا تملكها من أعظم ما لا نملكه أننا عبيد، وبما أننا عبيد لا نملك أن نتكلم كما يتكلم الرب سبحانه وتعالى ولا نطالب بحق الألوهية لأننا لسنا آلهة فلا إله إلا الله وكل أحد سوى الله مربوب وعبد والله جل وعلا وحده هو الإله وهو الرب لا رب غيره ولا إله سواه. فهذا الحق أنه يعبد أحد من دون الله لا يستحقه إلا الله فلا يمكن أن يأتي أحد لا يملك هذا الحق فيطلبه لنفسه، فعيسى يقول أنا مربوب وعبد ولا أملك أن أطلب من الناس أن يعبدوني من دونك لأنه هذا ليس في حق فيه فمقام الألوهية غير مقام العبودية .

{مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} ثم لم يقل أنا لم أقله، قال تأدبا مع ربه: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}، وهذا الجواب لا يكون إلا مع من؟ إلا مع الله، لا تستطيع أن تجيب أحدا من الناس بهذا الجواب، مستحيل هذا الجواب لا يمكن أن يكون إلا مع الله . مع الناس تقول لم أقله أو تقول قلته، ذهبت إلى مكان كذا أو لم تذهب؟ تقول لمن سألك ذهبت أو لم أذهب، لكن ما يعقل أن تقول له إن كنت ذهبت فأنت تعلم أني ذهبت! من أين يعلم أنك ذهبت؟ هذا جواب لا يقال إلا لمن؟ إلا لله.

{إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} وهذه واضحة لا تحتاج إلى بيان {إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} فما من غيب إلا والله جل وعلا يعلمه كما قال لقمان لابنه :{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (16) سورة لقمان.

{إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}
ثم أخذ يبرئ ساحته أمام النصارى قال:{مَا قُلْتُ لَهُمْ}هذه ما نافية{إِلاَّ}هذا استثناء{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ}فأنا عبد أنفذ أوامرك وأؤدي ما أوكلته إلي ولا أستطيع أن أخرج عن أمرك مثقال ذرة{مَا قُلْتُ لَهُمْ إلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}هذه {أَنِ} حرف تفسير لا محل له من الإعراب فأصبحت جملة{أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} مفسرة لقوله :{إلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} يعني ما الذي أمرتني به؟{أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} . وقد مر علينا هذا في سورة البقرة ومنه قول الله جل وعلا : {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ}أي أمر؟{أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ}(66) سورة الحجر، فهذه{أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ}مفسرة لقول الله جل وعلا : {ذَلِكَ الأَمْرَ} . كذلك هذه قول الله تبارك وتعالى{أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}مفسرة لقول الله تبارك وتعالى{إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} . فعيسى عليه السلام قبل أن يقرر أن الله رب لهم قرر أن الله رب له هو {أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} وهذا هو التوحيد الذي بعث الله جل وعلا به الرسل من نوح إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والذي لا يقبل الله من أحد صرفا ولا عدلا إلا بتحقيقه.

{أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}{وَكُنتُ} يتكلم عن نفسه { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} قوله {مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} أنه عبد متى ما وضع أو رفع لا يعلم شيئا ولا يوجد عاقل يدعي أنه يفهم كل شيء أو يعلم كل شيء، النبي عليه الصلاة والسلام كما قلنا هذا مرارا كان يعيش في المدينة حوله فيه المدينة فيه مهاجرين فيه أنصار فيه يهود فيه منافقين فالله يقول لنبيه:{ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ}(101) سورة التوبة .

قال العلماء إذا جاز على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: أن يكون له جيران يسكنون مدينته ولا يعلم أنهم يكيدون له وأنهم منافقون فمن باب أولى أن يخفى ذلك على من دونه وكل الناس دونه صلوات الله وسلامه عليه.

{وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ}وأنا بينهم أعيش أقول لهم اعبدوا الله هذا يوافق وهذا لم يوافق أنا شهيدهم هذا وافق وهذا لم يوافق هذا قبل وهذا لم يقبل هذا رضي بك ربا وهذا لم يرض.