عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 3  ]
قديم 2008-03-13, 5:04 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي
ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام في دعائه لربه مصلحتين:

المصلحة الدنيوية : {وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} و {تَكُونُ لَنَا عِيداً} .
المصلحة الدينية : أنه قال {وَآيَةً مِّنكَ} أي علامة وأمارة على أنك قبلت دعاءنا فيكون ذلك سبب في أن يدخل الناس في الدين بعد ذلك أفواجا.

{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا}.
العيد الشيء الذي يعود ويتكرر لكن لا ينبغي أن يكون ثمة عيد إلا بإذن شرعي، أما أن يتخذ الإنسان من أي مناسبة دينية أو غير دينية عيدا فهذا أمر إذا ربطها بالدين لا يجوز شرعا أما إذا جعلها من باب العادات هذا باب واسع لا يحسن تفصيله الآن، لكن نقول الأشياء الشرعية لا تثبت إلا بشيء شرعي فمثلا : الله جل وعلا على مر العصور يجعل من بعض عبادات أنبيائه ورسله سننا يجتمع الناس عليه فمثلا كلنا الآن في الطواف والسعي نمر على الصفا والمروة لنحيي سنة هاجر لكن هذا الإحياء لم يكن من أنفسنا إنما كان بإذن من مَن؟ كان بإذن من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نطوف بالبيت كما طاف به إبراهيم عليه الصلاة والسلام من قبل ونرمي الجمار كما رماها إبراهيم من قبل فنحيي ملة إبراهيم لكن هذا أمر لم نجتهد به نحن من أنفسنا وإنما شرعه الله تبارك وتعالى لنا والدين لا يكون باجتهاد شخصي أبدا قال الله جل وعلا {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} (21) سورة الشورى .

{ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
قال الله بعدها: {قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} (115) سورة المائدة.

أولا ً: اختلف العلماء هل أنزل الله جل وعلا المائدة أو لم ينزلها؟
الله جل وعلا قال {إِنِّي مُنَزِّلُهَا} وليس في القرآن أن الله أنزلها فجمهور العلماء من المفسرين على أنها أُنزلت، وقالوا: " إن هذا وعد من الله لنبيه والله لا يخلف الميعاد "، وهو الذي نختاره.
ذهب مجاهد رحمه الله تعالى المفسر المعروف تلميذ ابن عباس رضي الله عنه إلى أن الله لم ينزلها لأنه مجرد مثل ضربه الله في كتابه، وهذا أبعد الأقوال عن الصواب في ظننا.
القول الثالث قاله الحسن البصري رحمه الله تعالى وتبعه عليه بعض المفسرين وهو: أن الله لما قال لهم {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} خافوا وطلبوا الإعفاء من نزولها واستغفروا الله ولم تنزل المائدة. هذا قول الحسن البصري رحمه الله . الذين قالوا بهذا الرأي من أدلتهم أن هذه المائدة لم تذكر في الإنجيل الذي بين أيدينا والنصارى لا يعرفون قصتها إلا من القرآن،من أدلة من قال أنها لم تنزل أنهم قالوا إنها غير مذكورة في الإنجيل الموجود وأن النصارى لم يفهموها إلا من المؤمنين . رد جمهور العلماء على هذا القول بأن كونها لم تذكر في الإنجيل هذا من الشيء الذي نسوه الذي قال الله جل وعلا عنهم {فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ} فهذا من الشيء الذي أنساهم الله جل وعلا إياه. الذي نختاره والله أعلم من هذه الأقوال أن الله جل وعلا أنزلها وهو كما قلنا مذهب جماهير العلماء.

{قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} هنا نتوقف، الآية يا أُخي إذا كان ظاهرة وأقيمت الحجة ينقطع العذر فإذا انقطع العذر أصبح الله لا يقبل عنده إما إيمان وإما كفر أو ينزل عذاب، وقف عند هذه وارجع للسيرة، دعك الآن من كتب التفسير، ارجع لسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم فيها أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في مسند أحمد من طريقين بإسناد كلاهما جيد فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم طلبت منه قريش أن يجعل لهم الصفا – الصفا الجبل المعروف - طلبت منه قريش أن يجعل لهم الصفا ذهبا قالوا : " إن جعلت الصفا ذهبا آمنا بك! " فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو أن يجعل الله الصفا ذهبا حتى يؤمنوا فبعث الله إليه جبرائيل عليه السلام أو ملكا غيره أخبره أنه لو جعل الله الصفا ذهبا ولم يؤمنوا فإن الله سيهلكهم عن بكرة أبيهم، طبعا إذا هلكوا عن بكرة أبيهم لن يكون منهم ماذا؟ مؤمنين لأنهم انتهوا لكن إذا بقوا ولم يهلكهم الله فيه أمل أنهم هم يؤمنوا أو فيه أمل أن يأتي من ظهورهم من؟ من يؤمن، إما أنهم هم يؤمنون كما حدث أو أن يأتي من ظهورهم مؤمنين فاختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقوا على حالهم حتى يؤمن منهم من يؤمن أو أن يخرج الله من ظهورهم من يؤمن بالله ومن يعبد الله لا يشرك به شيئا. ولذلك قال الله في سورة الإسراء {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (59) سورة الإسراء. والله إذا أراد أن يرحم أمة أمات نبيها قبل إهلاكها. فيكون النبي فرطا سابق لأمته وإذا أراد الله أن يهلك أمة أبقى نبيها حيا وأهلكها ونبيها ينظر ليكون أقر لعينه وأهلك لمن عصاه كما هو دأب الله في سنن الأنبياء الذين قبلنا فقوم صالح قوم نوح قوم لوط كلهم أهلكوا وأنبياءهم ينظرون إليهم قال الله جل وعلا عن صالح {وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل : 53] بعد أن أخبر أنه أهلك قومه وكذلك قال الله عن شعيب وكذلك الله قال عن عاد وغيرهم من الأمم وهذا أظنه ظاهر. {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}.

وقد قلنا في درس سابق أخذ بعض العلماء من هذه الآية أن أعظم الناس عذاباً ثلاثة:
أتباع آل فرعون قال الله جل وعلا :{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (46) سورة غافر، والذين كفروا بالمائدة بعد نزولها من قوم عيسى قال الله جل وعلا :{فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} والثالث المنافقون الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال الله جل وعلا : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (145) سورة النساء ، ويظهر لي أن هؤلاء المنافقين هم أشد خلق الله جل وعلا عذابا. بهذا انتهت مسألة المائدة.

ثم قال الله جل وعلا بعدها:{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}(116) سورة المائدة. إلى آخر السورة.