عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2008-03-06, 3:05 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي oO حديث المدينـة Oo
oO حديث المدينـة Oo

--------------------------------------------------------------------------------






يأتي الليل ساكنا .. هادئا .. فتقوم لتختلس من ساعاته

سويعات تمارس فيها ما تحب

تقرأ ، وحينما تتعبها القراءة تخرج لحديقتها ترعى ورودها

تناجي القمر صديقها ، تعزف ألحانها ، وبريشتها ترسم أجمل

لوحاتها ..

مساحة من الحرية تمتلكها هنا بعيدا عن ضوضاء النهار وشقائه

وتمر الليالي رتيبة إلى أن أتت تلك الليلة

لم تكن وحدها .. كان معها هناك

يتوشح خيوط الليل المظلمة كي لا تراه ، يسترق النظر إليها

إلى لوحاتها .. يستمع إلى ألحانها .. يودّ شمّ ورودها

ليلة وليلة ، وتتبعها الليالي وهو على هذه الحال ، يستبد

به الشوق ..

لابد من مصارحتها ، يستجمع قواه ، وما أن تنتهي من عزفها

حتى يبدأ بالتصفيق لها

هي يتملكها الخوف : من هناك ؟!

ينظر إليها نظرة دافئة تشعر معها بلهفته ولوعته

فتصمت !

سكوتها يمنحه شجاعة البوح

يقف حيث وقفت وبصوت دافئ ـ كنظرته ـ يهديها أجزل الأشعار ..

ويهمس : هي لكِ .. كتبت من أجلك منذ زمن !

وبين ذهول الصدمة .. ونشوة الاعتراف لا تملك إلا أن تنصت له

وتصفق له كما صفّق لها .

ثم تحمل أشعاره هدية رقيقة من قلب طيب وتمضي ..

تستقبل نهارا جديدا ، لكنه نهارا مختلفا

ويحها .. هل تشتاق له ، وتنتظر الليل كي تلقاه !

كيف .. ولماذا ؟!

يبدو أن السؤال متعب ، والإجابة عليه لا تملكها

. جدتي ، ما رأيك بمن يتوشح خيوط الليل المظلمة ليقدّم أشعاره

أغنية لمن يحب ؟!

0 يا ابنتي ، كل من يستتر بظلام الليل .. لص

وكل ما يتمّ في الخفاء عيب ، وقد يغضب الربّّ

. يا جدتي ، يقولون : الليل مأوى العاشقين ، وواحة المحبين

على ضوء قمره يسهرون ويتهامسون ، وعلى أجنحته يحلّقون

0 يا ابنتي ، هؤلاء ليسوا سوى أشباه رجال ، ونساء بلا حياء !

. لكنه محبّ صادق من يقدّم عاطفته شعرا ، ويهجر النوم والراحة

من أجل لقاء حبيبه

0 وأخذت الجدة الحنون تردد : أشباه رجال .. ونساء بلا حياء

ومن هنا بدأ الصراع

ليلة أخرى .. عزف آخر .. مناجاة وهمس ، شعر ورقص

والصراع يكبر ويكبر

وفجأة ، تصرخ به : كفاك .. ارحل

لن أرحل ، سأمضي الآن فقط ، وموعدنا غدا

يأتيها شيطانها : يالـَ سعادتكِ ، هو يحبك ولا يستطيع الابتعاد عنك

" أشباه رجال .. ونساء بلا حياء "

تسمع دويها في كل مكان ، فتصم أذنيها وتنام

تصحو مع تغريد الطيور ، تسبّح خالقها ، وتردد مع الأنسام

أذكارها

" اللهم ملكني زمام نفسي ولا تسلطها عليّ "

تستوقفها .. فتقف ويطول وقوفها

صرخة مكتومة تُوَجَّه لها : إنه الهوى ، إنه الشيطان

بل هو ضعف في الإيمان

فينتفض الإيمان داخلها : لا .. أنا هنا

ويأمرها : أن توقفي .. فأخذت قرارها

. جئتك مودّعة

لا لن ترحلي

. لن أستسلم للهوى

أي هوى .. إنه حبّ سكن الحشا

. وماذا بعد الحب ؟!

لا يملك إجابة ، ويتابع : هل أنت مصرّة ؟!

. وكلي إيمان وعزيمة

لي طلب

. تفضل

ودّعيني بأغنية ؟

. لا أتقن الغناء

ويلّح .. غنّي لي

. لم أغني لأحد من قبل

غنّي لي

. صوتي غير جميل

غنّي لي

. أنا خائفة

غنّي لي

. رقّ له قلبها .. فغنت أغنية الوداع ، ثم مضت

الآن تشعر بالراحة ، فقد تمكنت من لجم جماح نفسها

شكرت الله ، ونامت ..

نامت وهي مطمئنة

لكنها استيقظت على حديث تضج به المدينة : تلك الفتاة

الخبيثة التي تتقنع بقناع الطهر والرقّة تراود ابن السلطان

عن نفسه .. فيستعصم !

صاعقة .. بل زلزال هزّ كيانها

ودمعة القهر والندم أبت إلا نزولا ، لتخطّ في دفتر الذكريات

كلمتها ، وتنقش على جدار الأيام أحرفها :

نعم المحبّ الصادق .. هو

نعم العفيف الطاهر .. هو

كرام هم أهل مدينتي

صدقت جدتي ..‍!


قلم متأمل