( الرحمن الرحيم ) : اسمان من أسماء الله – تعالى – الحسنى , مشتقان من صفة الرحمة , فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما .
واسم " الرحمن " يختص به الله – تعالى – لا يطلق على غيره , وهو يعني الرحمة العامة التي تشمل جميع الخلق برهم وفاجرهم من البشر , وكذلك غيرهم من المخلوقات التي نعرفها أو لا نعرفها , ونشاهدها أو لا نشاهدها.
وقد وردت عدة آيات سمى الله بها نفسه في القرآن بالرحمن , منها قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى ) وقوله تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون )
" والرحيم " يسمى به الله ويسمى به غيره , فيقال : أب رحيم , وأم رحيمة . وقد وصف الله – تعالى – نبيه بها في قوله تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
فالله رحيم لطيف بمن يشاء من عباده . والمؤمن تشمله رحمة الله العامة مع الخلق , وينال الرحمة الخاصة بإيمانه , لذلك يحمد الله على ذلك .
وقد جاء وصف الله تعالى لنفسه بالرحمة العامة والخاصة , بعد الإخبار بأنه رب العالمين ليرغب المؤمن لنيل رحمته , ويحذر الكافر من شدة عقوبته بحرمانه من تلك الرحمة .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد , ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد " صحيح مسلم .
( الرحمن الرحيم ) تشمل كل معاني الرحمة الواسعة , ووردت في سورة الفاتحة تأكيداً على أن الصفة الأساسية في الربوبية هي الرحمة .
وهذا المعنى يقوي الصلة بين الرب والمربوب , فعندما يشعر العبد أن الله المتصف بالرحمة هو الذي يدعوه يسرع إليه , ويتقرب له .
وعندما تشعر النفس برحمة الله تعالى بها تطمئن , لكن عليها أن تدرك أن هناك رحمة أوسع وأشمل , لا بد أن تسعى إليها لتنالها . إنها رحمة يوم الدين . فتجاهد معتمدة على توجيهات رب العالمين لها فيما يأمر وينهى .
( مالك يوم الدين ) : هنا ذكر الخاص بعد العام , حيث قوله تعالى : ( رب العالمين ) عام ويتضمن معناها كل ملك لله تعالى في الدنيا والآخرة , وقوله ( مالك يوم الدين ) الملك بيوم القيامة , وهذا يدل على أهمية ذلك اليوم وعظم شأنه . والملك في ذلك اليوم أخص منه من ملك الدنيا , حيث في الدنيا تطلق كلمة الملك مجازاً على من يحوز شيئاً من الدنيا يفوق غيره فيه . أما في الآخرة فلا ملك إلا لله . وكما قال تعالى : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) . وسمي بيوم الدين لأنه يوم الجزاء والحساب . فيدين الله – تعالى – الخلق بأعمالهم إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً .
في ذلك اليوم لا يتساوى المؤمن بيوم الدين مع غيره في حياته الدنيوية , من حيث شعوره النفسي بقرب الله منه , وشعوره بالخوف من الوقوف بين يديه , وبذل الجهد في الاستعداد لذلك , فلا يعمل إلا ما يجعله من الفائزين بيوم الدين . وينعكس ذلك على سلوكه وتعامله مع الناس . ولا في آخرته حيث الجزاء والحساب , لأن الجزاء من جنس العمل .
إذن كيف أكون ممن يعمل من أجل الفوز يوم الدين ؟
هل أستطيع بقوتي – وأنا العبد الضعيف - ؟
بمن أستعين ؟
( إياك نعبد وإياك نستعين ) : قدمت كلمة " إياك " للحصر , فلا يعبد غيرك , ولا يستعان بسواك .
ومعنى " نعبد " في اللغة من عبَّد الشيء أي جعله مذللاً , يسهل معالجته , وطريق معبد أي مذلل للسير عليه .
وهذا يعني أن المؤمن يعبد الله : أي يمشي في طريق العبادات المذلل الذي يوصله إلى رضا ربه بسهولة . وعبوديتي لله تحررني من عبودية المخلوقات , وتحررني من خوف الوهم بأن غير الله يضر أو ينفع .
(وإياك نستعين ) كررت كلمة إياك للتأكيد على أن لا نطلب العون إلا منك كما أننا لا نعبد سواك .
وجمع بين العبادة والاستعانة لأنهما مدار الدين , وأساس اليقين . فالأولى نفي للشرك وتحقيق لعبودية , والثانية تبرؤ من الحول والقوة وتفويض الأمر لحول الله وقوته . وبها اعتراف العبد بافتقاره إلى ربه في كل حاله .
وقدم العباد على الاستعانة لأن الغاية التي خلق لها هي العبادة , والاستعانة هي الوسيلة التي يحقق بها الغاية , لذلك قدم الأهم فالأهم .
وعلم الله – تعالى – عبده الاستعانة بعد العبادة رغم أنها نوع من أنواع العبادة , لأن كل أنواع العبادات إن لم يعنه الله تعالى على أدائها فلن يؤديها ولو استعان بجميع فنون العلم .
ومهما بلغت قوة الجبروت والتسلط من المخلوقين فهي بضلالهم عن خالقهم قد فقدت قوتها الحقيقية , وفقدت نبع العون الدائم , فتصبح حقيقتها ضعف لا قوة .
حكم الاستعانة بغير الله :
طلب العون من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك , ومن يستعين بهم في أمور الحياة التي في مقدور البشر فلا بأس . لأن الله جعل الحياة البشرية حياة اجتماعية لا تقوم إلا على التعاون .
( اهدنا الصراط المستقيم ) دعاء وتوسل إلى الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم . والدعاء هو الحبل القوي الذي يربط المرء بمن أنعم عليه .
والمرء هنا عندما يقول : ( اهدنا ) يدعو لنفسه ولجميع إخوانه المؤمنين .
أي حب ! وأي إخاء أعظم من أن يشرك المؤمن أخيه المؤمن في الخير ! وأي خير خير من الهداية .
والهداية نوعان : هداية دلالة وإرشاد , وهداية عمل , والدعاء هنا يشملهما جميعاَ , أي : أرشدنا ووفقنا وعلمنا ما يرضيك عنا , ثم اهدنا لعمله على الوجه الذي يرضيك عنا .
والصراط في اللغة بمعنى الطريق الواسع الرحب , وهذا يعني أن طريق الدين واسع رحب, سهل ميسر , لا ضيق على من يتبعه , ولا مشقة على من يسير عليه . ومع صفة الاستقامة يكون طريق الكمال حيث لا عوج فيه .
والمقصود بالصراط المستقيم الذي نسأل الله تعالى أن يهدينا إليه هو : كتاب الله , وشرع نبيه – صلى الله عليه وسلم – اللذان يرشداننا إلى الإسلام الحقيقي , الذي هو دين الله القويم .
وعن النواس بن سمعان – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً , وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة , وعلى الأبواب ستور مرخاة , وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا , وداع يدعو من فوق الصراط , فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال : ويحك لا تفتحه , فإنك إن تفحته تلجه . فالصراط الإسلام , والسوران حدود الله , والأبواب المفتحة محارم الله , وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله , والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم " رواه الترمذي والنسائي وإسناده صحيح .