ما الفرق بين الحمد والشكر ؟
المعروف أن معناهما واحد , لكن هناك فرق في استعمال اللفظين :
- فالحمد ثناء للذات – ولا يستحق ذلك إلا الله - , والشكر يكون على الفعل الذي أولاه المشكور للشاكر .
- الحمد ثناء مرة بعد مرة , لا ينقطع أمده . والشكر ثناء على ما أولى من نعمة عند إسدائها .
- الحمد شكر على كل الصفات الحميدة الكاملة , والأفعال الجليلة , والشكر على الصفة أو العمل المستحق .
لذلك لا يستحق الحمد الكامل إلا الله !
فأين حق غيره في الحمد ؟
كل خير أو معروف يسديه مخلوق لغيره من المخلوقات , فهو من توفيق الله , وقضائه وقدره , ولولا أن الله – تعالى – وفقه لإسدائه ما استطاع أن يفعل ذلك , لذلك يشكر هو , ويحمد الله تعالى .
فالحمد لله نعمة لمن وفق إليها , ومن وفق إليها فقد وفق لفعل يحبه الله – تعالى – ويثني على نفسه به .
أيهما أعم الحمد أو الشكر ؟
من خلال ما ذكرنا عرفنا أن الحمد أعم من الشكر , لأنه يقع على كل الصفات والأفعال اللازمة والمتعدية , والشكر لا يقع إلا على الصفات المتعدية .
أحاديث في الحمد :
- عن الأسود بن سريع – رضي الله عنه - قال : قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى: فقال : " أما إن ربك يحب الحمد " رواه الإمام أحمد .
- عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " أفضل الذكر لا إله إلا الله , وأفضل الدعاء الحمد لله " رواه الترمذي والنسائي , وقال الترمذي حسن غريب .
- عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " وما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطي أفضل مما أخذ " رواه ابن ماجه .
- عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله , لكان الحمد أفضل من ذلك " رواه القرطبي في تفسيره وفي نوادر الأصول . وقال القرطبي وغيره : أي لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة عليه من نعم الدنيا , لأن ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى – من تفسير ابن كثير -.
- عن ابن عمر – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حدثهم : " أن عبداً من عباد الله قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك , فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها , فصعدا إلى الله فقالا : يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها , قال الله – وهو أعلم بما قال عبده : ما ذا قال عبدي ؟ قالا : يا رب إنه قال : لك يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . فقال لهما : اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها " سنن ابن ماجه .
( رب العالمين ) : الرب في اللغة هو : المالك المتصرف , لكن هذه الكلمة لا تطلق على أحد غير الله , إلا في حالة الإضافة , كقول : رب الدار , رب الأسرة .
والرب هو الذي ربى جميع خلقه بنعمه الظاهرة والباطنة , لذا لا يستحق الحمد غيره .
والعالمين : بمعنى كل ما وجد في الكون سوى الخالق . سواء في الحياة الدنيا أو الآخرة .
فصار الحمد لله الذي خلق ما في الكون مما نعلمه ومما لا نعلمه . ( رب العالمين ) هو الرب المنعم المتفضل . وتربيته لخلقه تربية عامة لجميع الخلق, وتتمثل في خلقه لهم , ورزقه الذي لا ينقطع عنهم , وهدايته لهم للانتفاع من كل ما في الكون . وتربية خاصة لأوليائه الصالحين بالتوفيق لطريق الإيمان , والعمل الصالح , حيث يدلهم ويهديهم إلى كل ما ينفعهم ويصرف عنهم كل ما يضرهم , ويدفع عنهم كل العوائق التي تحول بينهم وبين فعل الخيرات.
والرب من أسماء الله – تعالى – وهو الذي يدعو به أنبيائه , ومن ذلك قوله تعالى : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ) [ إبراهيم : 40 ] وهذا الدعاء جاء على لسان أبو الأنبياء , الخليل إبراهيم عليه السلام . وقوله تعالى : ( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) [ المائدة : 114 ] وقوله تعالى : ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ) [ يونس : 88 ]
وقوله تعالى : ( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ) [ نوح : 28 ]
وكذلك الملائكة كما في قوله تعالى : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) [ غافر : 7 ] .
وكثيرة هي الآيات التي جاء الدعاء فيها تعليما من الله تعالى لعبده بأن يدعوه به , من ذلك قوله تعالى : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) [ الأحقاف : 13 ] أو منهم ابتداء , كما في قوله تعالى : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً ) [ الفرقان : 74 ] . وأكثر من ذلك أن يدعو به المشركين , كما في قوله تعالى : ( ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ) [ القصص : 47 ] .
( رب العالمين ) كل العوالم خلقها رب واحد , وكلها تقر له بالربوبية , لأنها مطمئنة أن من خلقها لا يضيعها أبداً , وأن من خلقها متكفل برعايتها , ورعايته لن تنقطع عنهم .
إذن لا يستحق العبادة سواه سبحانه .