الوصية الثالثة :
إن ما حصل من إساءة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الإعلام الدنماركي ، والنرويجي جرمٌ عظيم ينم عن حقد متأصل في قلوب القوم , ولكن ينبغي أن لا تنسينا مدافعة هؤلاء القوم من هو أشد منهم خبثاً وحقداً وضرراً على المسلمين ، ألا وهي طاغية العصر أمريكا حيث جمعت الشر كله ، فوقعت فيما وقع فيه هؤلاء من الإساءة إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، و إهانة كتاب ربنا سبحانه وتنجيسه وتمزيقه على مرأى من العالم ..
وزادت على القوم بقتل أهلنا ونسائنا وأطفالنا في أفغانستان والعراق وفلسطين ، وسامت الدعاة والمجاهدين سوء العذاب في أبي غريب وأفغانستان ، وسجونها السرية في الغرب والشرق ، فيجب أن يكون لها الحظ الأكبر من البراءة والانتصار منها لربنا - عز وجل - ولكتابه سبحانه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن ننبه الناس في هذه الحملة الميمونة إلى هذا العدو الأكبر وأنه يجب أن يكون في حقه من إظهار العداوة له والبراءة منه ومقطاعته كما كان في حق الدنمارك بل أكثر وأشد .
وأتوجه بهذه المناسبة إلى المنادين بمصطلح ( نحن والآخر ) والمطالبين بالتسامح مع الآخر الكافر وعدم إظهار الكراهية له ، لأقول لهم : هذا هو الآخر الذي تطلبون وده وتتحرجون من تسميته بالكافر .
إنه يرفض ودكم ، ويعلن كراهيته لديننا ونبينا ، وكتاب ربنا سبحانه فماذا أنتم قائلون ؟! وهذا من عدونا غيض من فيض وصدق ربنا سبحانه إذ يقول في وصفهم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ" [(118) سورة آل عمران] .
الوصية الرابعة :
إن من علامة صدق النصرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا نفرق في بغضنا وغضبتنا بين جنس وآخر ممن آذى نبينا - عليه الصلاة والسلام - ، وأساء إليه أو إلى دين الإسلام ؛ بل يجب أن تكون غضبتنا لله تعالى وتكون عداوتنا لكل من أساء إلى ربنا أو ديننا أو نبينا - صلى الله عليه وسلم - من أي جنس كان ولو كان من بني جلدتنا ويتكلم بألسنتنا .
كما هو الحاصل من بعض كتَّاب الصحافة ، والرواية ، وشعراء الحداثة ، والذين يلمحون تارة ويصرحون تارة أخرى بالنيل من أحكام ديننا وعقيدتنا ، وإيذاء نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، بل وصل أذاهم وسبهم للذات الإلهية العلية تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا .
فأين غضبتنا على هؤلاء ، وأين الذين ينتصرون لله تعالى ، ودينه ، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من فضح هؤلاء والمطالبة بإقامة حكم الله فيهم ليكونوا عبرة لغيرهم ؟ إن الانتصار من هؤلاء لا يقل شأناً من الانتصار ممن سب ديننا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في دول الغرب الكافر يقول الله - عز وجل - " لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [ (22) سورة المجادلة] .
الوصية الخامسة :
يقول الله - عز وجل - : " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً " [(36) سورة الإسراء].
يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية بعد أن ذكر أقوال أهل العلم : " ومضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم .. بل بالظن الذي هو التوهم والخيال ، كما قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ " [(12) سورة الحجرات ].
وفي الحديث " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " وفي سنن أبي داود " بئس مطية الرجل زعموا ".... وقوله : " كل أولئك " أي هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد " كان عنه مسؤولا " أي سيسأل العبد عنها يوم القيامة وتسأل عنه وعما عمل فيها ) أ.هـ .
وفي ضوء هذه الآية الكريمة وما ورد في معناها نخرج بمنهج عادل وقويم في التعامل مع الأحداث ، والمواقف ينصحنا الله عز وجل به ، حتى لا تزل الأقدام ، وتضل الأفهام ، وحتى لا يقع المسلم في عاقبة تهوره وعجلته .. وذلك بأن لا ينساق وراء عاطفته ، وحماسته الفائرة دون علم وتثبت مما رأى أو سمع فيقول بلا علم أو يتخذ موقفاً دون تثبت وتروي.
إن المسلم المستسلم لشريعة ربه سبحانه محكوم في جميع أقواله ومواقفه وحبه وبغضه ، ورضاه وسخطه بما جاء في الكتاب والسنة من الميزان العدل ، والقسطاس المستقيم .. فإن لم يضبط المسلم عاطفته وحماسه بالعلم الشرعي والعقل والتروي فإن حماسته هذه قد تجره إلى أمور قد يندم على عجلته فيها.
والمقصود هنا التحذير من العجلة ، والجور في الأحكام ، والمواقف خاصة عندما تكثر الشائعات ويخوض فيها الخائضون بلا علم أو عدل .. بل لابد من التثبت ومشاورة أهل العلم والشرع وأهل الفهم بالواقع.
ومن أمثلة هذه المواقف المتسرعة في هذا الحدث مما تناقلته بعض المطويات ورسائل الجوال من وجوب المقاطعة لبضائع كثيرة بعضها ليست من منتجات القوم المقصودين بالمقاطعة , ومن ذلك التسرع في الحكم على من لم يقاطع بأنه آثم لا يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكما جاء في قول القائل : ( قاطع من لم يقاطع ) . ومن ذلك الإكثار من الرؤى و المنامات , والاستناد عليها في تصحيح موقف ما أو تخطئته.
وبعد : فهذا ما يسره الله - عز وجل - من هذه الوصايا التي أخص بها نفسي وإخواني المسلمين في كل مكان ؛ مع التأكيد على ضرورة الصمود و المصابرة في البراءة من القوم ، ومقاطعة منتجاتهم .. فما كان في هذه الوصايا من صواب فمن الله - عز وجل - فهو المانّ بذلك .. وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله - عز وجل - وأتوب إليه والحمد لله رب العالمين .
الشيخ : عبد العزيز بن ناصر الجليِّل