منطلقات شرعية في نصرة خير البرية
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد :
فإن ما يشهده العالم الإسلامي هذه الأيام من غضبة عارمة ، وحملة مباركة لنصرة سيد البشر نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، والدفاع عن عرضه الشريف أمام الهجمة الشرسة القذرة التي يشنها الغرب الصليبي الكافر على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وتتولى كبرها بلاد الدنمارك الحاقدة .
إن في هذه القومة المباركة لنصرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ما يثلج الصدر ، ويسرُّ الخاطر ويبثُّ الأمل في النفوس ويؤكد أن امة الإسلام أمة مباركة ومرحومة ولازال فيها الخير ، والرصيد العظيم في مقاومة أعدائها والنكاية فيهم حتى ولو كانت ذليلة مستضعفه ؛ فكيف لو كانت قوية ومتمكنة .
ولقد ظهر في هذه الحملة قدرة الأمة على النهوض والتكاتف والتعاون على إلحاق الأذى الشديد بالعدو المتربص. وقد ظهر ذلك في هذه القومة الشاملة لمختلف شرائح الأمة رجالاً ونساءً , صغاراً وكباراً , أغنياء وفقراء , وعوام ومثقفون .. وذلك في الكتابات الكثيرة المتنوعة لنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - , وكذلك في المقاطعة المباركة التي آتت أكلها وثمارها في إنهاك اقتصاد المعتدين.
أسأل الله - عز وجل - أن يبارك في جهود القائمين بهذه النصرة سواء من كتب أو خطب أو قاطع وهجر منتجات القوم .. وليس هذا بكثير في نصرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، والذي هو أولى بنا من أنفسنا ، والذي قال لنا ربنا - سبحانه - عنه : " لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " [ (128) سورة التوبة].
والذي بلغ الكمال الإنساني في الشمائل والأخلاق وفي عبادة ربه - سبحانه وتعالى - ، وكل هذا يفرض علينا أن يكون أحب إلينا من أنفسنا وأهلنا وأولادنا وأموالنا، وأن نفديه بالنفوس والمهج والأولاد والأموال .
وبما أن الحديث عن نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن حقوقه ، وحقيقة أعدائه وحقدهم قد قام به المسلمون في شتى بلدان المسلمين بأقوالهم ورسائلهم وكتاباتهم ومقاطعتهم ، فلن أكرر ما كتب وقيل ففيه إن شاء الله الكفاية .
غير أن هناك بعض الوصايا التي أنصح بها نفسي وإخواني المسلمين في ضوء هذا الحدث الجلل أرى أنها من حقوق المصطفى - عليه الصلاة والسلام - ، وهي من لوازم نصرته وموجبات محبته ، ولكن قد تغيب عن بعضنا وتنسى في زحمة الردود واشتعال المشاعر والعواطف.
الوصية الأولى :
قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ( البخاري : 1) وعندما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة , ويقاتل حمية , ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " البخاري (2810 ) , مسلم ( 1904 ) .
والمقصود من إيراد هذين الحديثين الشريفين أن يحاسب كل منا نفسه ، وهو يشارك في هذه الحملة المباركة للدفاع عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويتفقد نيته في قومته هذه ، هل هي خالصة لله - تعالى - ؟ أم أن هناك شائبة من شوائب الدنيا قد خالطت نيته كأن يظهر للناس غيرته وحرصه على الدين وعلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو تكون مجرد حمية وعصبية ومفاخرة أو إرادة دنياً ومكانة بين الناس ، أو غير ذلك من الأغراض ، وهذا عمل قلبي لا يعلمه إلا الله - عز وجل - ..
ومع إحسان الظن بالقائمين بهذه النصرة وأنهم إن شاء الله تعالى إنما قاموا بذلك حباً لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - .. إلا أن محاسبة النفس في هذا الشأن، وغيره من العبادات أمر واجب على كل مسلم حتى يبارك الله - عز وجل - في الأعمال ، ويحصل منها الأجر والثواب ، وإلا ذهبت هباءً منثوراً ؛ إن لم يأثم صاحبها ويعاقب على ذلك .