عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2013-08-27, 8:20 PM
وفاء*
عضو متميز بالمنتدى
رقم العضوية : 176438
تاريخ التسجيل : 1 - 9 - 2012
عدد المشاركات : 1,872

غير متواجد
 
Smile أسباب التخلص من الهوى من كلام الإمام ابن القيم الجوزية
لما امتُحن المكلف بالهوى من بين سائر البهائم و كان كل وقت تحدث عليه حوادث جُعل فيه حاكمان :
حاكم العقل و حاكم الدين ، و أُمر أن يرفع حوادث الهوى دائما إلى هذين الحاكمين و أن ينقاد لحكمهما ، و ينبغي أن يتمرن على دفع الهوى المأمون العواقب ليتمرن بذلك على ترك ما تُؤذِي عواقبه.

فإن قيل كيف يتخلص من هذا من قد وقع فيه ؟ قيل : يمكنه التخلص بعون الله و توفيقه له بأمــور :

- أحدها : عزيمة حُـرّ يغـار لنفسه و عليها.

- الثاني : جرعة صبر يُصبِّر نفسه على مرارتها تلك الساعة.

- الثالث : قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة ، و الشجاعة كلها صبر ساعة ، و خير عيش أدركه العبد بصبره.

- الرابع : ملاحظته حسن موقع العاقبة و الشفاء بتلك الجرعة .

- الخامس : ملاحظته الألم الزائد على لذة طاعة هواه.

السادس : إبقاؤه على منزلته عند الله تعالى و في قلوب عباده ، و هو خير و أنفع له من لذة موافقة الهوى.

- السابع : إيثاره لذة العفة و عزتها و حلاوتها على لذة المعصية.

- الثامن : فرحه بغلبة عدوه ورَدِّه خاسئا بغيظه و غمه و همه حيث لم ينل منه أمنيته ، و الله تعالى يحب من عبْدِه أن يراغم عدوه و يغيظه كما قال الله تعالى في كتابه العزيز : " و َلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ و لا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْْلاً إلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عمل صَالٍحٌ " التوبة : 120 و قال تعالى :" لٍيَغٍيظَ بٍهٍمُ الكُفَّارَ " الفتح : 29 ، و قال تعالى :" وَمَنْ يُّهَاجٍرْ في سَبِيلِ الله يَجِدْ فٍي الَأرْضِ مُرَاغَماً كَثٍيراً و َسَعَةً " النساء : 100 أي مكان يراغم فيه أعداء الله. و علامة المحبة الصادقة مغايظة أعداء المحبوب و مراغمتهم.

التاسع : التفكـر في أنه لم يُخلق للهوى و إنما هُيِّء لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى كما قيل :
قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

العاشـر : أن لا يختار لنفسه أن يكون الحيوان البهيم أحسن حالا منه ، فإن الحيوان يميز بطبعه بين مواقع ما يضره و ما ينفعه ، فيؤثر النافع على الضار ، و الإنسان أُعطي العقل لهذا المعنى ، فإذا لم يميز به بين ما يضره و ما ينفعه أو عرف ذلك و آثر ما سضره كان حال الحيوان البهيم أحسن منه.

الحادي عشر : أن يسير بقلبه في عواقب الهوى فيتأمل كم أفاتت معصيته من فضيلة ، و كم أوقعت في رذيلة ، و كم أكلة منعت أكلات ، و كم لذة فوتت لذات، و كم من شهوة كسرت جاها ، و مكست رأسا ، و قبحت ذكرا ، و أورثت ذما ، و أعقبت ذلا و ألزمت عارا لا يغسله الماء ، غير أن صاحب الهوى عمياء.

الثاني عشر : أن يتصور العاقل انقضاء غرضه ممن يهواه ثم يتصور حاله بعد قضاء الوطر و ما فاته و ما حصل له.

الثالث عشر : أن يتصور ذلك في حق غيره حق التصور ، ثم ينزل نفسه تلك المنزلة ، فحكم الشيء حكم نظيره.



الرابع عشر : أن يتفكر فيما تطالبه به نفسه من ذلك، و يسأل عنه عقله و دينه يخبرانه بأنه ليس بشيء. قال بن مسعود رضي الله عنه : إذا أعجب أحدَكم امرأة فليذكر مناتنها.

الخامس عشر
: أن يأنف لنفسه من ذل طاعة الهوى ، فإنه ما أطاع أحد هواه قط إلا وجد في نفسه ذلا، و لا يغتر بصولة أتْباع الهوى و كِبرِهم فهم أذل الناس بواطن ، قد جمعوا بين فصيلتي الكبر و الذل.

السادس عشر
: أن يوازن بين سلامة الدين و العرض و المال و الجاه و نيل اللذة المطلوبة، فإنه لا يجد بينهما نسبة البتة ، فليعلم أنه من أسفه الناس ببيعه هذا بهذا.

السابع عشر : أن يأنف لنفسه أن يكون تحت قهر عدوه ، فإن الشيطان إذا رأى من العبد ضعف عزيمة و همة و ميلا إلى هواه طمع فيه و صرعه و ألجمه بلجام الهوى و ساقه حيث أراد ، و متى أحس منه بقوة عزم و شرف نفس و علو همة لم يطمع فيه إلا اختلاسا و سـرقـة.

الثامن عشر : أن يعلم أن الهوى ما خالط شيئا إلا أفسده ، فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة و الضلالة و صار صاحبه من جملة أهل الأهواء ، و إن وقع في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء و مخالفة السنة ، و إن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم و صده عن الحق ، و إن وقع في القسمة خرجت عن قسمة العدل إلى قسمة الجور ، و إذا وقع في الولاية و العزل أخرج صاحبه إلى خيانة الله و المسلمين حيث يولي بهواه و يعزل بهواه ، و إن وقع في العبادة خرجت عن أن تكون طاعة و قربة ، فما قارن شيئا إلا أفسده.

التاسع عشر : أن يعلم أن الشيطان ليس له مدخل على ابم آدم إلا من باب هواه ، فإنه يطيف به من أين يدخل عليه حتى يفسد قلبه و أعماله ، فلا يجد مدخلا إلا من باب الهوى ، فيسْرِي معه سريان السم في الأعضاء.


توقيع وفاء*

..
الحسنة الحسنة بعشر أمثالها
ضاعف أجرك بطيب الأقوال والأفعال
..

كلما هوت ‫النفس‬ إلى ‫المعصية‬، وزُين العمل لها أبصرتْ موضعها ومن عصت ! وعَلمتْ أن ‫‏المؤمن‬ ممتحن !