عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2008-01-11, 7:36 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
تعب السعداء: إما تكفير معصية أو رفع درجة كما في الحديث: "من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة " (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ".
أما تعب الأشقياء فتكثير لذنوبهم ومزيد إثم لهم (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ). (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ).
تعب السعداء مُجازَون عليه وإن كان مجرد همّ: "مَنْ همّ بحسنةٍ فلم يعملها كُتبت له حسنة، ومن همّ بحسنة فعملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف...".
تعب السعداء مثابون عليه وإن لم يعملوه لعذر إذا مرض: " إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً".
تعب السعداء تصحبه لذة و سرور في القلب يجده المؤمن في الدنيا قبل الآخرة مما يؤدي إلى زوال هذا التعب وتحوله إلى نعيم وراحة ولذة وسرور كما قال أحد السلف: "جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة أخرى".
تعب السعداء يعقبه اطمئنان النفس وراحة القلب: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى). (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
تعب السعداء أدرك ثماره في الدنيا قائل السلف: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف".
إنه تعب يثمر سعادة وانشراحاً، لأنه تعب في طاعة الخالق سبحانه، أما تعب الأشقياء فتعب يعقبه الشقاء والكَبَد و التعب لأنه في معصية الله.
الشقي يشعر أن تعبه في معصية الله، فإذا انتهى من لذته وذهب شعوره بها بقيت الحسرة في قلبه وأورثه التعب هماً وحزناً.

إن أهنأ عيشة قضيتها ذهبت لذاتها و الإثم حل

.تعب الأشقياء تعب يعقبه الضيق و الضنك: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). شعور بتأنيب الضمير، شعور بالقلق من آثار الذنب، شعور بالخوف من مصيبة وعقاب على النفس والمال و الأهل والولد. شعور بالذل والانهزامية ويأبى الله إلا أن يذل من عصاه. تخوّف من الأمراض والفضائح و(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ).

تفنى اللذات ممن ذاق صفوتها من الحرام و يبقى الإثم و العار

تعب السعداء مؤقت ينتهي بفراق هذه الحياة حين يجد الإنسان عند الموت من التثبيت والبشرى بحياة النعيم الدائم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). ثم الجزاء الأعظم حيث: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، و هناك تنسى المتاعب وتتلاشى المصاعب، وينقطع النصب والهم والحزن.
أما الأشقياء فهم على شقاوتهم وتعبهم في الدنيا، يجدون عند الموت من النذر والعلامات على شقاوتهم ما يجعلهم يموتون شرَّ ميتة، ثم يجدون في قبورهم وفي الآخرة من التعب والعناء أضعاف ما لاقوه في الدنيا.
و في الحديث: "يؤتى يوم القيامة بأشد أهل الدنيا بؤساً من أهل الجنة فيصبغ في النعيم صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم، هل رأيت شراً قط؟! هل مر بك بؤس قط؟! فيقول: لا والله يا رب، ما رأيت شراً قط، ولا مرّ بي شدة قط؟! ويؤتى بأشد أهل الدنيا نعيماً من أهل النار فيصبغ في العذاب صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟! هل مر بك نعيم قط؟! فيقول: لا و الله يا رب، ما رأيت خيراً قط، و لا مر بي نعيم قط".
إن السعداء يدركون أن الحياة الدنيا مهما تطل فهي قصيرة، وأن عناء السعداء وتعبهم مهما اشتد فهو محتمل في سبيل الله ما دامت نهايته الموت وعاقبته الفوز والنعيم المقيم، ومن هنا فالسعداء يستقلون كل تعب لقوه في الدنيا في ذات الله حينما يجدون ثوابه و جزاءه: "لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرماً في سبيل الله لحقره يوم القيامة".
تعب السعداء يصحبه من توفيق الله عز وجل وتيسيره ما ينسي الشقاء والعناء؛ فالسعداء تكفّل الله عزّ وجل بدفع كربتهم وإزالة غربتهم.
كم لاقى رسول الله من التعب والعناء في سبيل دعوته، فقيض الله له من ينصره ويؤازره، وكم لاقى دعاة الإسلام من العنت والنصب وكيد الخصوم فنصرهم الله وأيدهم بنصره، وإننا نجد في واقعنا أن كل تعب يبذله الإنسان في سبيل الله فإنه يلقى جزاءه عاجلاً غير آجل، ويقيض الله للعامل من يعينه وينصره ويذهب عنه آثار الهمّ والتعب.
تعب السعداء يصحبه في هذه الدنيا لطف من الله عز وجل بأن يقيض لك من المؤمنين أو غيرهم من يكون لك عوناً على ما تلقاه من جهد و تعب، أما تعب الأشقياء فعناء مسلوب من التوفيق والنصر الإلهي، فإنّ الله عز وجل يسلط بعضهم على بعض، ويسلط عليهم من المؤمنين من يكون سبباً في شقائهم وعذابهم: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ...).
أما الفرق الأكبر فهو ما يلقاه السعداء في قبورهم من النعيم، ثم يلقونه في الآخرة من السعادة والسرور وألوان اللذة مما لا يخطر على بال، وأعظم ذلك النظر إلى وجه الله عز وجل: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ).
أما الأشقياء الذين سخروا جهدهم وتعبهم في معصية ربهم، فإن عناءهم لا ينقضي و حسرتهم لا تنقطع، فهم محرومون من النعيم، و يقاسون من ألوان العذاب ما يقاسون حتى إنهم يطلبون أقل المطالب: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ). (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ).
هذا هو الفرق الأعظم: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) حينئذ تهون عند السعداء كل التضحيات، وتهون كل متاعب الدنيا مهما عظمت ما دامت نهايتها سعادة لا تنقضي ونعيماً لا يزول.
هذا هو الفرق بين السعداء الذين تعبوا في مرضاة ربهم وطاعته، فهم سعيدون في الدنيا بطاعة الله وبلذة المناجاة وبالأنس بقرب الله، سعيدون بما يلقون من الأذى في سبيل الله، وبما يجدون من التعب في طاعة الله، سعيدون بكل معاني السعادة، سعيدون عند الموت بالبشرى، سعيدون في قبورهم بما يلقون من النعيم، سعيدون عند البعث، سعداء بعد الحساب، و هذا هو جزاء المؤمنين الذين قرروا أن يقضوا حياتهم على وفق ما يرضي الله عز وجل وإن تعبوا ونصبوا وحرموا أنفسهم من اللذات.
أما الأشقياء فقد شقوا في الدنيا بالتعب في معصية الله، أشقياء في أجسامهم، في قلوبهم، أشقياء عند موتهم، في قبورهم، عند البعث، عند الحساب، وبعد الحساب: (جَزَاء وِفَاقاً). (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ).
هذا هو الفرق بين تعب السعداء وتعب الأشقياء، فإنّ الذي يكدح للأمر الجليل ليس كالذي يكدح للأمر الحقير، فليس مثله طمأنينة بال وارتياحاً للبذل واسترواحاً بالتضحية، فالذي يكدح وهو طليق من أثقال الطين أو للانطلاق من هذه الأثقال ليس كالذي يكدح ليغوص في الوحل ويلصق بالأرض. والذي يموت في سبيل دعوة ليس كالذي يموت في سبيل شهوة ونزوة: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ).(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ).
نسأل الله تعالى أن يسخرنا لطاعته وأن يستعملنا في مرضاته وأقول هذا القول، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.