عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2008-01-08, 9:40 AM
أبو_إبراهيم
عضو نشط
الصورة الرمزية أبو_إبراهيم
رقم العضوية : 35244
تاريخ التسجيل : 16 - 8 - 2007
عدد المشاركات : 374

غير متواجد
 
افتراضي التصور الكامل لطبيعة المعركة ودوافع الشر فيها
بسم الله الرحمن الرحيم

من رحمة الله عز وجل أن وجه رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته إلى العياذ به والالتجاء إليه , مع استحضار معاني صفاته, من شرٍ خفي الدبيب, لا قبل لهم بدفعه إلا بعون من الرب الملك الإله . فهو يأخذهم من حيث لا يشعرون, ويأتيهم من حيث لا يحتسبون.

والنفس حين تعرف أن الوسواس الخناس يوسوس في صدور الناس خفية وسرا وأنه هو الجنة الخافية, وهو كذلك الناس الذين يتدسسون إلى الصدور تدسس الجنة, ويوسوسون وسوسة الشياطين.. النفس حين تعرف هذا تتأهب للدفاع, وقد عرفت المكمن والمدخل والطريق !

ووسوسة الجنة نحن لا ندري كيف تتم , ولكنا نجد آثارها في واقع النفوس وواقع الحياة. ونعرف أن المعركة بين آدم وإبليس قديمة قديمة ; وأن الشيطان قد أعلنها حربا تنبثق من كبريائه وحسده وحقده على الإنسان ! وأنه قد استصدر بها من الله إذنا , فأذن فيها - سبحانه - لحكمة يراها ! ولم يترك الإنسان فيها مجردا من العدة . فقد جعل له من الإيمان جنة , وجعل له من الذكر عدة , وجعل له من الاستعاذة سلاحا.. فإذا أغفل الإنسان جنته وعدته وسلاحه فهو إذن وحده الملوم !

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]: "الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله تعالى خنس , وإذا غفل وسوس" .

وأما الناس فنحن نعرف عن وسوستهم الشيء الكثير . ونعرف منها ما هو أشد من وسوسة الشياطين !

رفيق السوء الذي يتدسس بالشر إلى قلب رفيقه وعقله من حيث لا يحتسب ومن حيث لا يحترس , لأنه الرفيق المأمون !

وحاشية الشر التي توسوس لكل ذي سلطان حتى تتركه طاغية جبارا مفسدا في الأرض , مهلكا للحرث والنسل !

والنمام الواشي الذي يزين الكلام ويزحلقه , حتى يبدو كأنه الحق الصراح الذي لا مرية فيه .

وبائع الشهوات الذي يتدسس من منافذ الغريزة في إغراء لا تدفعه إلا يقظة القلب وعون الله .

وعشرات من الموسوسين الخناسين الذين ينصبون الأحابيل ويخفونها , ويدخلون بها من منافذ القلوب الخفية التي يعرفونها أو يتحسسونها . . وهم شر من الجنة وأخفى منهم دبيبا !

والإنسان عاجز عن دفع الوسوسة الخفية . ومن ثم يدله الله على عدته وجنته وسلاحه في المعركة الرهيبة !

وهناك لفتة ذات مغزى في وصف الوسواس بأنه (الخناس).. فهذه الصفة تدل من جهة على تخفيه واختبائه حتى يجد الفرصة سانحة فيدب ويوسوس. ولكنها من جهة أخرى توحي بضعفه أمام من يستيقظ لمكره , ويحمي مداخل صدره . فهو - سواء كان من الجنة أم كان من الناس - إذا ووجه خنس , وعاد من حيث أتى , وقبع واختفى . أو كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في تمثيله المصور الدقيق:" فإذا ذكر الله تعالى خنس , وإذا غفل وسوس"..

وهذه اللفتة تقوي القلب على مواجهة الوسواس.. فهو خناس.. ضعيف أمام عدة المؤمن في المعركة.

ولكنها - من ناحية أخرى - معركة طويلة لا تنتهي أبدا. فهو أبدا قابع خانس, مترقب للغفلة. واليقظة مرة لا تغني عن اليقظات.. والحرب سجال إلى يوم القيامة, كما صورها القرآن الكريم في مواضع شتى, ومنها هذه الصورة العجيبة في سورة الإسراء:

" وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، فسجدوا إلا إبليس ، قال : أأسجد لمن خلقت طينا ؟ قال : أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا . قال: اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا . واستفزز من استطعت منهم بصوتك، وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد، وعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا . إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا "..

وهذا التصور لطبيعة المعركة ودوافع الشر فيها - سواء عن طريق الشيطان مباشرة أو عن طريق عملائه من البشر - من شأنه أن يشعر الإنسان أنه ليس مغلوبا على أمره فيها فإن ربه وملكه وإلهه مسيطر على الخلق كله وإذا كان قد أذن لإبليس بالحرب فهو آخذ بناصيته . وهو لم يسلطه إلا على الذين يغفلون عن ربهم وملكهم وإلههم فأما من يذكرونه فهم في نجوة من الشر ودواعيه الخفية فالخير إذن يستند إلى القوة التي لا قوة سواها وإلى الحقيقة التي لا حقيقة غيرها.. يستند إلى الرب الملك الإله.. والشر يستند إلى وسواس خناس يضعف عن المواجهة ويخنس عند اللقاء وينهزم أمام العياذ بالله..

وهذا أكمل تصور للحقيقة القائمة عن الخير والشر كما أنه أفضل تصور يحمي القلب من الهزيمة ويفعمه بالقوة والثقة والطمأنينة..

والحمد لله أولا وأخيرا . وبه الثقة والتوفيق.. وهو المستعان المعين..

____________________

في ظلال القرآن – سيد قطب


توقيع أبو_إبراهيم

قال يحيى بن معاذ:
على قدر خوفك من الله يهابك الخلق، وعلى قدر حبك لله يحبك الخلق، وعلى قدر شغلك بالله يشتغل الخلق بأمرك.