ثم ازداد التزامي أكثر و أكثر بتعيين أمينة مكتبة جديدة في المدرسة ، و قد كانت سيدة إماراتية قمّة في الالتزام و التدين و النشاط الدعوي ، هذه الإنسانة كان لها التأثير على معظم المدرسات بشكل عام و عليّ بشكل خاص ! فقد أحبّتني كثيراً و أحببتها أكثر في الله ، ما كنت أترك فرصة إلا و أذهب إليها في المكتبة نجلس معاً نذكر الله و نستمع معاً إلى بعض الأشرطة ، و حين لمست مني التعطّش لطلب العلم الشرعي راحت تمدّني بالكتب و الأشرطة الإسلامية ، و تأخذني لحضور المحاضرات الدينية . و طبعاً ما كانت تعرف شيئاً عن حياتي الخاصة فيما يتعلّق بالدين و المذهب ، و ما أخبرت بذلك أحد . فما حدث أن زوجي بدأ يلاحظ التزامي ، فما عاد الأمر مجرد صلاة الفرائض الخمسة و صيام رمضان فحسب ، بل صار الأمر يتطور و يزداد يوماً بعد يوم ! صار هناك صلاة النوافل و قيام الليل و صيام التطوع ، و الصدقات و قراءة الكتب و سماع الأشرطة و حضور المحاضرات ...و غير ذلك من الأمور الأساسية و الفرعية في الدين التي بدأت أطبقها في حياتي و أدعوه إليها ! هذا الأمر أقلقه و روّعه كثيراً ، و صار يعترضني و يقول لي : " لا تتطرّفي ، إلى أين ستصلين ؟ " لكني أكّدت له أني لست متطرّفة بل أنا أطبّق فقط دين الله تعالى ، و ذكرت له قوله تعالى في سورة البقرة : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يُردّون إلى أشدّ العذاب و ما الله بغافل عما تعملون ) . و كنت أعطيه أشرطة متنوعة ليستمع إليها في السيارة في طريقه للعمل ، فكانت تؤثر به هذه الأشرطة كثيراً و تثبته و ترفع معنوياته . و بدأنا ندعو الناس من المعارف من أهل الطائفة هناك حسب ما يتيسّر لنا، و كان منهم من يتقبّل منّا بطريقة أو بأخرى و منهم من يعترض ، و منهم من يقتنع لكنه يخاف من التغيير و ما يصحبه من أذى المجتمع من أهل الملّة . الجدير بالذكر ، أني حتى ذلك الحين كنت لا أزال غير محجبة ! أقصد أني كنت أتحجب في المدرسة أو حين أخرج بمفردي لبعض حاجاتي ، لكن حين كنت أرافق زوجي كنت أرتدي ثياباً و زيّاً مختلفاً تماماً ، فقد كان يمنعني من الحجاب و يعترض عليه بشدة ! و في أحد الأيام ذهبت إلى المكتبة العامة في دبي ، و قد كنت أتردد إليها بأوقات فراغي بهدف المطالعة ، فكتبها كانت مختارة و منتقاة فيما يتماشى مع الشريعة ، أما الكتب الكفرية و الفسقية فما كان لها مكان هناك ! المهم ، قدّر الله تعالى ، و لحاجة معينة ، أن أتعرّف في المكتبة على امرأة شامية متزوجة في الإمارات ولا تتجاوز التاسعة عشر من عمرها و تدرس في كلية الشريعة ! من خلال الحديث معها أخبرتها بأن زوجي يمنعني من الحجاب ، فراحت تجمع لي الأدلة من الكتاب و السنة لتقنعني بوجوب الحجاب و أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . كان كلامها مؤثراً و بليغاً إلى أقصى حد فعدت إلى المنزل و عزمت على مواجهة زوجي في موضوع الحجاب و فعلت ذلك ، فثار بالبداية و غضب و لكني حاولت إقناعه بشتى الطرق . و حين رأى إصراري وافق و لكن على مضض . تحجبت و كنت سعيدة جداً بحجابي ، و هذا قادني إلى الامتناع عن مصافحة الرجال ! من ذلك الوقت بدأ الأذى لنا ممن حولنا ، فبدأت أتعرض إلى الهمز و اللمز و الامتعاض من المحيطين ، و لكني كنت قد تهيأت نفسياً لمثل هذا و حملت نفسي على الصبر و الثبات ، و كان لي في رسول الله صلى الله عليه و سلّم و الصحابة أسوة حسنة . جاء موعد الإجازة و السفر إلى سورية ، كان ينتابني شعور من القلق و الكآبة و أحس و كأن شيئاً ما سيحدث ، لكني كنت أستعيذ بالله من هذه الوساوس . ثم سافرنا ، و هناك بدأت المأساة ! فأول شيء حدث أن تفاجأ الجميع بحجابي و عدم مصافحتي للرجال من غير المحارم ، و عدم مصافحة زوجي للنساء من غير المحارم مما قادنا إلى مواقف في منتهى الإحراج ! ثم تفاجأوا بزوجي يصلي ! و تيقّنوا من إسلامنا ! فأعلنوا الحرب علينا !! كنت ألمح الغضب و الامتقاع في وجه زوجي فأحاول تثبيته قائلة : " و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ، و لكن السخط بدأ يظهر عليه بشكل واضح ! ثم نزلت عند أهلي و ذهب هو لزيارة أقاربه . أما أهلي و أقاربي فقد بدأت النقاشات بيننا تعلو و تستعر ! و وقفوا جميعاً ضدي ! لكني تصبّرت بالله و قلت بنفسي : حسبي الله و نعم الوكيل . يكفيني من البشر زوجي ، فهو معي و يساندني و يقف بجانبي. لكن زوجي الذي أثق به و أعلّق عليه آمالي كان قد نزل عند أقاربه و استلموه ! فما تركوا وسيلة لصدّه عن سبيل الله إلا اتبعوها ، بالوسوسة و السخرية و التخويف و التهديد و التعنيف ... ثم بالمغريات و الزخرفات الدنيوية بشتى أنواعها من نزهات و أكل و شرب و موسيقا و رقص و نساء كاسيات عاريات !! فانقلب الرجل على عقبيه و انتكس !! و لا حول و لا قوة إلا بالله !! ليس ذلك فحسب ، بل راح يغتابني و يبهّتني و يهجوني و يفشي أسراري و يذكرني بالسوء أمام أهله و أهلي ، و يتهمني بالتطرف و التعقيد ! و يشكوني إليهم و يضع كل الحق علي في هذا الأمر و يبرّء نفسه ! اسودت الدنيا في وجهي و ضاقت عليّ بما رحبت ، و شعرت بقمّة الأسى و الألم ، فبكيت بحرقة ، و دعوت الله في جوف الليل و تضرّعت ! ثم غفوت بعد ذلك و إذ بي أرى في المنام أني أقرأ القرآن ، و بينما أنا أقرأ وصلت إلى موضع سجدة فسجدت ، و في سجودي رحت أدعو و أذكر الله ، و إذ ، سبحان الله ، بملائكة كالنور ينزلون من السماء و يجتمعون حولي يريدون أن يأخذوني ، و شعرت بالغبطة و الانشراح العظيم و تابعت قراءة القرآن في منامي و في الحقيقة ! فسمعتني أختي أقرأ و أوقظتني من النوم ! هذه الرؤية ، و لله الحمد و المنّة ، ساهمت في تثبيتي إلى حد كبير ! انتهت الإجازة الحزينة المؤلمة و عدنا إلى الإمارات ثانية ، وكان لا يزال في نفسي شيء من الأمل في أن يعود زوجي إلى إيمانه السالف ، فحاولت أن أكلّمه فرفض أن يسمع مني كلمة واحدة ، و راح يوبّخني بكلمات جارحة ! حاولت أن أعطيه أشرطة معينة فرفضها و رماها جانباً ، ثم منعني من سماع الأشرطة أو قراءة الكتب أو الخروج للمحاضرات ، و طلب مني أن أقطع صلتي بصديقتي أمينة المكتبة ، و حذّرني من أن أصلي أكثر من الفرائض ، أو أن أصوم النوافل ، و طلب مني خلع الحجاب و ارتداء الثياب المغرية ! ثم تراجع قليلاً و سمح لي أن أتحجب و لكن بحجاب يُظهر نصف شعري مع ثياب أنيقة تظهر المفاتن !! طبعاً أنا رفضت معظم ما قاله ، و سايرته في موضوع الاستزادة في طلب العلم و العبادة مؤقّتاً راجية أن يعود إلى صوابه ! لكنه عاد أسوأ مما كان عليه في بداية زواجنا ، و صار يعاملني معاملة سيئة حين اطمأن أن أهلي ضدي في موضوع الدين ، فقد كان يهاب منهم نوعاً ما و خاصة من والدي ! فكرت بما عساي أن أفعله ، فاتصلت بأحد أصدقائه المسلمين ، و أخبرته باختصار عن انتكاس زوجي ، و طلبت منه أن يقف بجانبه و يحاول إرجاعه إلى إيمانه السابق ، فتحمّس الأخ للموضوع و دعى زوجي إليه ثم كلّمه بأسلوب غير مباشر عن خطر الردّة عن الإسلام ، و ذكّره بالآخرة و بالعقاب و الثواب ! و بذلك استطاع التأثير عليه بعض الشيء ! عدت للدوام في المدرسة بعد فترة انقطاع ، و استقبلتني أمينة المكتبة بحفاوة ، ثم راحت تدعوني لحضور محاضرة في مكان ما ، فاعتذرت منها ... ثم لاحظت التغيير و الكآبة عليّ و أصرّت أن تعرف ما بي ، و لماذا أرفض الذهاب للمحاضرات ! فشعرت أني بحاجة إلى صديقة تحمل عني أعبائي التي أثقلت كاهلي ، فدعوتها إلى زيارتي ، ثم كلمتها عن كل تفاصيل حياتي و عن الأزمة التي أعيشها لكني لم أخبرها عن اسم الطائفة التي كنت أنتمي لها ، فبكت و تعاطفت معي كثيراً و وعدتني أنها لن تتخلى عني أبداً . و في اليوم التالي أحضرت لي كتاباً يتحدث عن الطوائف المنشقّة عن الإسلام و موقف الشرع منها ، فأخذته و قرأت ما كتب فيه عن طائفتي السابقة ، فتفاجأت بأنهم يذكرونهم أحياناً بأشياء غير صحيحة ! ثم صُعقت حين قرأت عبارة : (و لن تُقبل توبتهم ) !!! يا للهول !! لن تقبل توبتهم ؟! معقول ؟! هذا ظلم !! لماذا ؟! أبَعد هذا كله لن تقبل توبتي ؟! بكيت و بكيت ... ثم اتصلت بصديقتي و ذكرت لها ما قرأت و طلبت منها أن تقطع صلتها بي ! فقد كنت شبه محطّمة وقتها !!
كادت المسكينة أن تجنّ ! و بكت لبكائي ،ثم اتصلت بي بعد نصف ساعة ، و قالت لي : " أختاه ، لقد اتصلت للتوّ بمركز الدعوة و الإرشاد في دبي و التابع للمملكة العربية السعودية ، و أخبرتهم عنك ففرحوا كثيراً بإسلامك ، و بنفس الوقت غضبوا لما هو مكتوب في هذا الكتاب كثيراً ! و قالوا أنه غير صحيح ، فباب التوبة مفتوح لكل الناس ما لم تغرغر الروح أو تطلع الشمس من مغربها !! فأبشري أختاه !! و يقول لك الشيخ أن تكلّميه في مركز الدعوة لتسمعيه بنفسك "
فاتصلت بالشيخ و راح يؤاسيني و يرفع معنوياتي و يثبتني بكلماته ، و عرض عليّ أن يرسل لي مجموعة من الكتب إلى أي عنوان قريب . فشكرته كثيراً و قلت له أنه لا يوجد عندي عنوان بريد إلا عنوان زوجي ، و هذا مُحال ! لكني سأحاول أن أجد وسيلة لجلب الكتب إن تمكّن لي ذلك .
بعد بضعة أيام اتصلت بي صديقتي أمينة المكتبة و أخبرتني أنها اتصلت بأحد الشيوخ الثقات فأخبرها بضرورة إشهار إسلامي !
فوافقت على ما قاله الشيخ ، و ذهبت برفقتها و دون علم زوجي إلى مركز الدعوة و الإرشاد ، و التقيت بالشيخ الذي كان قد كلّمني بموضوع الكتب سابقاً ، و هو نائب مدير المركز و سعودي الجنسية ، فأشهرت إسلامي بعد أن كلمني عن بعض القضايا التي تخص الدين ، و أعطاني شهادة إشهار الإسلام و مجموعة كبيرة من الكتب و الأشرطة . و عدت إلى المنزل و كأني قد وُلدت من جديد ، اغتسلت بنية الإسلام و شعرت براحة نفسية عارمة . بعد بضعة أيام دعتني صديقتي أمينة المكتبة إلى زيارتها فذهبت بعد أن أخذت موافقة زوجي . و إذ بها تخبرني بأن الشيخ قد قال لها بضرورة إشهار زوجي لإسلامه ! و إلا فأنا لا أحلّ له !! ثم جعلتني أكلّمه بنفسي كي أسمع الجواب و رأي الشرع من ذلك . فاستصعبت الأمر عليّ كثيراً ، و عدت إلى المنزل و الهمّ يملؤني ، كيف سأفاتحه بالموضوع ؟!
حاولت أن أتلطف إليه ، و حين شعرت بأن مزاجه رائق كلّمته بالموضوع ! فما إن سمع ذلك حتى ثار و غضب ، و صار يزبد و يرعد ، و هددني بإخبار والدي !!