عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2007-12-20, 6:43 PM
بنت غامد
رقم العضوية : 42111
تاريخ التسجيل : 15 - 12 - 2007
عدد المشاركات : 10

غير متواجد
 
افتراضي
الفصل الثاني

فسارت إليه, وناولته الكتاب, فلما قراه اغتاظ غيظاً شديداً ثم كتب لها يقول:
يا خالق الخلق إني لست أعصيك
أبات أرعى نجوم الليل ادعوك
فارحم خضوع ذليل بات مبتهلا
ولا تخيب رجا من بات يدعوك
وتجني من هوى هند وما صنعت
يا من لكشف كروب الناس يدعوك
ثم طوى الكتاب وأعطاه للجارية وقال لها : إن عدت برسالة غير هذه لأضربنك ولأعلمن سيدك.
ثم نهر الجارية وطردها.
فسارت إلى سيدتها وأعطتها الكتاب فقراته , وأخبرتها بما قال بشر من أول الكلام , ثم إنها بكت بكاء شديدا ما عليه من مزيد. وزاد بها الهيام , واشتدت بها الأسقام وامتنعت عن الطعام والشراب .
وخاف بشر على نفسه من الفضيحة فارتحل إلى بطاح مكة ليلاً ولم يخبر أحدا برحيله . وذهبت إليه الجارية برسالة من سيدتها وأخبرتها برحيل بشر , فحزنت حزناً شديدا وتوعكت أياما حتى صارت في أسوا حال.
فكانت لا ترى الا باكية العين حزينة النفس , واعتراها مرض شديد...
وعاد زوجها من سفر كان فيه , فلما رآها على هذه الحالة أخذته عليها الرأفة وقال لها : هل آتيك بطبيب يا هند؟
فقالت : لا حاجة لي بالطبيب , وإنما أرجوك أن ترحل بي من هذا المكان فنذهب إلى بطاح مكة فنعيش هناك , حيث الهواء النقي , والفضاء الفسيح...
وكان من القضاء اللازم والقدر المقدر أن الدار التي أخذها زوج هند وأقام فيها مع زوجته كانت قريبة من دار بشر , فكانت تراه مر ببابها , وزادها ذلك عشقا وكلفا.
وبينما هند تعاني من سوء حالها ما تعاني دخلت عليها عجوز يقال لها جنوب , فلما رأتها في تلك الحالة سألتها عن علتها , فأخبرتها بقصتها من مبتداها إلى منتهاها . فقالت لها العجوز: طيبي نفسا وقري عينا فلسوف أجمعك به . فشكرتها هند , وقامت لها بواجب الإكرام , ولما همت العجوز بالانصراف قالت لها هند:
ساعديني واكشفي عني الكروب
ثم نوحي عند نوحي يا جنوب
واندبي حظي ونوحي علنا
إن حالي بعده شي غريب
ما رأت مثلي زليخا يوسف
لا ولا يعقوب بالحزن العجيب
وخرجت العجوز من بيت هند فجلست على قارعت الطريق تنتظر عودة بشر , فلما مر بها , قالت له : يا ولدي إني أرى على وجهك سحرا , وما ظني بك إلا مسحورا
فذعر بشر واقترب من العجوز وقال لها : لا علم لي بمثل هذا الأمر يا أماه , وإنما كانت في المدينة امرأة يقال لها هند ما نظرت إليها قط كانت تراسلني بالأشعار ,’ فهربت منها وجئت إلى بطاح مكة , وها أنا كما ترين.
فقالت : اعلم يا بني إنها هي التي سحرتك . واني أرجوك أن تمر علي في غد ,وأنا أخذك إلى داري واعمل لك تحويطة تمنع عنك السحر.
فقال لها بشر : جزأك الله خيرا يا أماه , ثم انصرف إلى حاله.
أما العجوز فسارت من ساعتها إلى هند وقالت لها : ابشري يا هند ففي صباح غد يكون بشر هنا عندك في بيتك .فقالت لها هند , وقد تهلل وجهها بشرا: هل ذلك حقيقة يا أماه؟.. فقالت العجوز: نعم ورب الكعبة . فقالت هند : إني احمد الله كثيرا لان زوجي قد سافر ببضاعة إلى الشام منذ أيام ولن يعود إلا بعد مدة طويلة.
ثم انصرفت العجوز إلى بيتها . وفي الصباح سارت إلى بشر , وقالت له : قم يا ولدي , فقد صنعت لك التحويطة وهيا لأبخرك .فقام معها بشر وهو لا يعلم بما دبرته من مكيدة . وما زالت سائرة وبشر خلفها إلى دار هند وكانت هند تنظر من نافذة بيتها المطلة على الطريق فلما رأت بشرا مقبلا نزلت مهرولة ففتحت الباب ودخلت العجوز ولم يشعر إلا والباب قد اقفل ووقفت أمامه فتاة حسناء كأنها البدر إذا بدر وقد ارتمت عليه وأخذته إلى صدرها وهي تقول:
يا بشر وأصلني وكن بي لطيفا
إني رايتـــك بالكمــال ظريـــفا
وانظر إلى جسمي وما قد حل بي
فتراه صـــــار من الغرام نحيفا
فلما رآها بشر رَاعهُ جمالها, وعلم ببداهته إنها هند التي هجر مقره من اجلها, وأن هذه الدار دارها وان في الأمر مكيدة دبروها له فتباعد عنها متعطفا وانشد متلطفا .
ليس المليح بكامل في حسنه
حتى يكون عن الحرام عفيفا
فإذا تجنب عن معاصي ربه
فهناك يدعى عاشقا وظريفا

وما كادت العجوز تدخل بشرا إلى الدار حتى أركنت للفرار وما كدت تتخطى عتبة الدار حتى كان زوج هند قد دخل منه وكان قد نسى حاجة فجاء ليأخذها وما كادت تراه الجارية حتى وقفت واجمة لاتبدي ولا تعيد فصعد السلم حتى دخل غرفة رقاده فأبصر هندا وبشرا يتعاتبان فأنكر ماراى وأراد أن يسل سيفه ليقتلهما معا
فقال بشر أتت بي العجوز لهذه الدار ولا اعرف أن هندا متزوجة منك أو من سواك ولم يكن بيني وبينه شيء مما حرم الله فأسال عني الناس وسل عني شيخ البلد يعلمك بحالي .
وان هذه المراه قد أرسلت خادمتها العجوز تدعوني إليها فظننت أنها تريدني لأمر أو حاجة لا سبيل إليها إلا عن طريقي ولم أكن أظنها تدعوني إلى مطارحت الهوى.
فلما حضرت إلى هنا سمعت مقالتها أخذت أؤنبها فعند ذلك خرج صبي صغير كان يعمل في الخدمة في الدار وقال لسيده :
والله يا سيدي أن كل ما يقوله هذا الرجل صحيح فان هندا والعجوز تأمرتا على إحضاره إلى هنا وقد سمعت محادثتهما قبل أن تذهب إليه العجوز ثم سمعت تأنيبه لها وهي تدعوه إلى نفسها وهو يرغب عن ذلك اشد الرغبة ويذكرها بالثواب والعقاب والموت والحساب فقال الرجل:
الحمد لله الذي لازال في امة محمد نظيرا ليوسف الصديق الذي راودته امرأة العزيز عن نفسه, فرفض وقال إني أخاف الله رب العالمين .
فأنت يا بشر فامضي لأريب عليك وأم أنت يا هند فأنت طالق مني فاخرج إلى اهلك ولاأراك بعد اليوم أبدا .
أما بشر فما كاد يصل إلى منزله حتى تمثل أمام عينيه جما ل هند ,
فشعر بميل شديد إليها وانشغل قلبه بهواها فعلل نفسه بالصبر حتى انقضت عدتها فأرسل إليها ليتزوج بها
************************************************** ************************************************** ***********
فشعر بميل شديد إليها وانشغل قلبه بهواها فعلل نفسه بالصبر حتى انقضت عدتها فأرسل إليها ليتزوج بها
فأجابت
- لا أريده .
فعادت المرأة التي أرسلها إليها, وأبلغته بما قالت فبكى بكاء شديدو كتب لها يقول:
أرى القلب بعد الصبر أضحى مضيعا
وأبقيت مـا لـــــي في هواك مضيعا
فــلا تبخلي ياهند بالوصل وارحمي
أسير هوى بالحب صار مضيعا
فلما وصلتها هذه الأبيات كتبت تحتها تقول :
أتطلب يــــا غدار وصلي بعد مـــــا
أسأت ووصلي منك أضحى مضيعا
ولــما رجوت الوصل منك قطعته
واسقينني كأسا من الحـزن مترعا
وأخجلـــتني عند النبي محـــمد
فكادت عيوني أن تسيل وتطلعا
فلما وصلته هذه الأبيات حزن حزنا شديدا واشتدت به اللوعات، فكتب لها هذه الأبيات:
سلام الله من بعد البـــعاد
على الشمس المنيرة في البلاد
ســلام الله يا هند عليــك
ورحمته إلى يوم التنادي
وحق الله لا ينساك قلبي
إلى يوم القيامة يا مرادي
فرقي وارحمي مضني كئيبا
فبشر صار ملقى في الوساد
فداوي سقمه بالقرب يوما
فقلبي ذاب من ألم البعاد
وصلى الله ربي كل يوما
على من جاءنا بالخير هادي
محمد المشفع في البـــــرايا
فلولا حبه ما سار حادي
ثم طوى هذه الرسالة و أعطاها إلى المرأة التي عهد إليها باستعطافها فلما قرأتها كتبت تقول:
سلام الله من شمس البلاد
على الصبِِِِِ الموسد في المهاد
فان ترج الوصال و تشتهيه
فأنت من الوصال على بعاد
فلست بنائل مني و صـــالا
و لا يدنو بياضك من سوادي
ولا تبلغ مرادك من وصالي
إلى يوم القيــامة والــتــنادي
ثم أرسلت الكتاب له فلما قراه غشي عليه فلما أفاق كتب هذه الأبيات:
كتبت إليك لما ضاق صدري
وأسكتني التجلد والعـيــــــاء
كتابا من فتى دنف عليل
سقيم الجسم ليس له شفاء
فرقي يا مليحة وارحميني
فقد كثر التندم و البكــاء
وعُذالي بحبــك عنفوني
وربي فيك يفعل ما يشاء
وصلي الله ربي كل وقت
على طه ختيم الأنبياء
ثم طوى الكتاب وأرسله إلى هند فلما فهمته كتبت تحته تقول :
كتبت إلي تشكو ما تلاقي
من الأسقام إذ نزل القضاء
فانك لم تزل أبدا سقيما
ووجدك لا يكون له انقضاء
فمن هند الصدود مع التجافي
ومن بشر التضرع والبكاء
فعش صباً ومت كمدا حزينا
فواحدة بواحدة جزاء
فلما وصل هذا الكتاب إلى بشر امتنع الطعام والشراب ولزم الوساد. واشتدت به العلة, وكانت له أخت تواسيه فقالت له: هل أتيك بطبيب ؟
فقال لها وما يصنع الطبيب ومرضي من الحبيب ؟ فلو إن هندا واقفة من الباب لردت إلي الحياة.
فلما سمعت أخته هذه الكلمات سارت إلى هند واستعطفتها وأعلمتها إن بشر على آخر رمق من الحياة من شدة شوقه إليها.
فشعرت هند وقتئذ بدافع شديد إلى لقائه فسارت ولما دخلت عليه وجدت نفسه يصعد. فوقفت عند رأسه فلما رآها ابتسم إليها ابتساما فيه من غضاضة الموت وسلم عليها وانشد:
أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل
ولمـا رأتني في المنايـا تعطفــت
علي وعندي من تعطفها شغل
فلما سمعت هند كلامه تحركت في قلبها عواطف الوجد الكامنة فبكت وأنشدت:
أيا بشر حالك قد فنى جسدي
وألهب النار في جسمي وفي كبدي
وفاض دمعي على الخدين منسكبا
وخانني الدهر فيكم وانقضى رشدي
ما كان قصدي بهذا الحال أنظركم
لا والذي خلق الإنسان من كمدا
فلما سمع بشرا كلامها أومأ إليها وانشد:
أيا هند إن مرت عليك جنازتي
فنوحي بحزن ثم في النوح رنمي
وقولي إذا مرت عليك جنازتي
وشيري بعينيك علي وسلمي
وقولي رعاك الله يا ميت الهوى
وأسكنك الفردوس إن كنت مسلم
ثم شهق شهقة وفارقت روحه الدنيا فلما هند ارتمت عليه وهي تبكي وتنتحب وأنشدت تقول:
أيا عين نوحي على بشر بتغرير
ألا ترويه من دمعي بتقدير
ياعين ابكي من بعد الدموع دما
لأنه كان في الطاعات محبور
لفقد بشر بكيت اليوم من كمد
لا خير في عيشة تأتي بتكدير
ألقاك ربك في الجنات في غرف
تلقى النعيم بها بالخير موفور
ثم ألقت بنفسها عليه, وحركوها فإذا هي ميتة, فغسلوهما ودفنوهما في قبر واحد. وبعد أيام طلعت شجرة باسقة سموها شجرة العاشق والمعشوق .
وانشد الشاعر العربي حينما وقف على أمرهما:
خليلين محبوبين خانهما الدهر
فما اجتمعا إلا وقد نفد العمر
مساكين أهل العشق ما نال بعضهم
وصال ولكن بعد ما انكشف الستر