الحكمة هي أساس النبوة، فما من نبي إلا وأتاه الله الحكمة بالإضافة إلى علم الكتاب. وكل نبي يتنبأ بالوحي الإلهي بواسطة ملك من الملائكة بإذن الله فيخبره بأخبار الغيب عن المستقبل ، أو يتنبأ بواسطة الحكمة التي أوتيها.
وها نحن نبأتنا الحكمة بآخر رسول من بني إسرائيل وقد ضرب مثلا للإنسان وهو جنين في بطن أمه يحيى بالروح، ثم نبأتنا الحكمة أن المرحلة التالية التي ينبغي أن يضرب لها المثل هي مرحلة ولادة ذلك الإنسان كطفل أمي لا يعلم شيئا فيتعلم.
ولقد جاء الواقع مصدقا لما نبأتنا به الحكمة ، فكان المسيح عليه الصلاة والسلام هو المثل المضروب للإنسان (في حالة الحمل) وهو جنين في بطن أمه يحيى بالروح، وكان محمد عليه الصلاة والسلام هو المثل المضروب لولادة الإنسان طفلا يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئا (أميا) فيتعلم.
ما هي المرحلة المقبلة التي ينبغي أن يضرب الله لها مثلا في أنفسنا؟
الحكمة تقول : إنها مرحلة بلوغ الطفل سن الرشد حيث ينتقل الإنسان من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة .
كم يحتاج الطفل من الزمن من ولادته إلى أن يبلغ الحلم؟
الجواب : 15 سنة.
ولادة أمة كولادة إنسان ، فإذا كان الطفل يبلغ رشده في سن 15 فإن الأمة ينبغي أن تبلغ رشدها في مدة زمنية تواطئ نسبيا عدة مدة الزمن بالنسبة للإنسان، أي أن الأمة ستبلغ هداها حين تبلغ الحول ال15 حسب وحدة قياس الزمن بالنسبة للأمة.
إذا كانت وحدة قياس الزمن بالنسبة للإنسان هي السنة (الحول) فما هو الحول أو وحدة قياس الزمن بالنسبة للأمة؟
الجواب : القرن (100) سنة، فأمة تبلغ من العمر 3 قرون كالطفل الذي يبلغ من العمر 3 سنين ، وأمة تبلغ من العمر 15 قرن كالطفل الذي يبلغ رشده في سن 15.
القرآن الكريم بين لنا وحدة قياس عمر الأمم، فقد عبر عن كلمة (أمة) بلفظ (قرن)، وعبر عن كلمة (أمم) بلفظ (قرون). هذه أمثلة من القرآن :
1) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ...
2) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا.
3) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ.
4) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ.
1) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ.
2) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا.
3) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى.
4) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.
كانت هذه أمثلة من القرآن استعمل فيها لفظ (قرن وقرون ) وأريد به (أمة وأمم) مما يدل على أن وحدة قياس زمن أية أمة من الأمم هي (القرن).
أمتنا الإسلامية بلغت قرنها الخامس عشر (15) ، وحيث أن مثل الأمة كمثل الإنسان يبلغ رشده في سن (15) فإن الأمة إذا بلغت قرنها ال(15) فإنها تبلغ هداها ويريها الله آياته فيعرفها الناس جميعا ويتبين لهم حق اليقين أن محمدا رسول الله.
هذا ما تقول به الحكمة فهل نجد تصديقا لها في الكتاب؟
كيف نجد ذلك؟
إذا أراد الله أن يضرب مثلا لأمة الإسلام برجل فإن أولى الناس وأحقهم بضرب المثل لأمة الإسلام هوإبراهيم عليه السلام ، فأمة الإسلام
منسوبةإليه : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) ،(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ).
إن إبراهيم هو رمز الهدى فهو المهدي الذي أمر الله كل النبيين والمؤمنين من بعده أن يتبعوا ملته : (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
إذن فإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو خير من يضرب مثلا لأمة الإسلام في مرحلة طفولتها وفي مرحلة بلوغها أشدها ، وهو فعلا أمة بشهادة القرآن : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
تعال لنرى كيف ضرب الله إبراهيم مثلا لأمة الإسلام .
لقد ذكر الله إبراهيم في القرآن 69 مرة ، أول سورة ذكر فيها إبراهيم هي سورة البقرة حيث ورد اسم إبراهيم (15) مرة ، وقد ورد اسم إبراهيم في سورة البقرة وحدها برسم مختلف عن باقي سور القرآن كما يلي (إبراهم) بدون ياء بين الهاء والميم. أما في ماعدا سورة البقرة فقد كتب اسم إبراهيم هكذا (إبراهيم).
إن رسم اسم (إبراهم) (15) مرة بالترتيب بدون ياء بين الهاء والميم يدل على أن إبراهيم قد ضرب مثلا للأمة وللإنسان ، فالإنسان تستمر طفولته من يوم مولده إلى بلوغه (15) سنة ، كذلك الأمة التي ولدت أمية ستبلغ رشدها في قرنها ال(15).
لقد كانت آخر مرة ذكر فيها (إبراهم) بهذا الرسم وهي المرة الخامسة عشر هي في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
إن هذه الآية تعبر عن حالنا فنحن نؤمن أن الله عزيز حكيم كما يؤمن إبراهيم بقدرة الله على إحياء الموتى ولكننا نبحث عن كيفية حكمة الله فتطمئن قلوبنا برؤيتنا لها ببصائرنا وبذلك نرتقي من علم اليقين إلى حق اليقين أن الله عزيز حكيم كما سأل إبراهيم ربه عن كيفية إحياء الموتى فلما أراه الله تلك الآية اطمئن قلبه وعلم حق اليقين أن الله عزيز حكيم.
ها نحن نرى في القرن ال (15) آيات الله وقد ضربها لنا في أنفسنا وفي الآفاق ، وهكذا نعلم أن قوله تعالى (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) لم يقصد بها المؤمنين المعاصرين لعهد النبوة وإنما سيريها للناس في القرن ال (15) ، فبعد الوعد في سورة النمل بقوله( سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا) فصل الله تلك الآيات على أنها آيات في الأنفس وفي الآفاق في سورة فصلت وهي السورة رقم (15) ترتيبا إذا بدأت العد من سورة النمل التي تضمنت الوعد ( سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا) لتجد أن السورة التي جاء فيها تحقيق الوعد هي السورة الخامسة عشرة وقد فصلت تلك الآيات بقوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، فما بين (سيريكم آياته) و(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا) 15 سورة ، وهي مثل مضروب للآيات التي سيريها للناس بعد 15 قرن من ميلاد أمة الإسلام.
إن غاية إرسال الله لرسالاته هي نصر دينه بالحجة البينة فيستيقن الناس الآيات ويعلمون أن الدين الحق هو الإسلام. وحيث أن بلوغ الغاية يحتاج إلى وسيلة فإن وسيلة الهدى هي العلم ولقد عبر عنه في أول ماأنزل من قرآن (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) .
وأما الغاية فهي نصر الله لدينه بإظهار البينة للناس فيدخلون في دين الله أفواجا ، ولقد عبر القرآن عنها في آخر ماأنزل من قرآن وهي سورة النصر (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا...).
إذن فأول ماأنزل من قرآن هو الوسيلة ، وآخر ماأنزل من قرآن هو الغاية، وما بين الشروع في الوسيلة إلى تحقيق الغاية 15 قرن. ولقد وجدنا القرآن يعبر عن ذلك في ترتيب السور حيث أن سورة النصر (وهي آخر سورة أنزلت) هي السورة رقم 15 ترتيبا إذا بدأت العد من سورة العلق (وهي أول ما أنزل من قرآن.
وإذا كان الله قد وصف الهدى بأنه نور ، والنور في القرآن صفة للقمر، فإن نور القمر يصل الكمال في الليلة الخامسة عشر (15)
يتبع إن شاء الله ولو بعد حين.