وتبرز الأنانية ويظهر الطمع ويولع الناس بالدنيا فيتهافتون عليها ويتنافسون
وذلك حين ينسى الناس أو يتناسون أمر الحساب والوقوف بين يدي رب الأرباب
تراهم في هذه الدنيا يركضون بغير عنان
وفي دياجير هذه الظلمات وتلاطم طوفان المدلهمات
ثمة مركب آمن يتهادى بين أمواج الفتن يحمي المؤمن ويوصله ويؤويه ويؤمنه
إنه مركب الورع
وقد عرفه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله
وكذلك الورع المشروع هو الورع عما قد تخاف عاقبته
وهو ما يعلم تحريمه وما يشك في تحريمه وليس في تركه مفسدة أعظم من فعله
وقال أيضا
وأما الورع فإنه الإمساك عما قد يضر فتدخل فيه المحرمات والشبهات لأنها قد تضر
فإنه من اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه
وأما الورع عما لا مضرة فيه أو فيه مضرة مرجوحة لما تقترن به من جلب منفعة راجحة أو دفع مضرة أخرى راجحة فجهل وظلم
والورع منه واجب ومنه مستحب
فالورع الواجب ترك كل ما حرم الله من المناهي والمحظورات
والورع المستحب ترك الشبهات والوسائل الموصلة إلى الحرام
والحاصل أن الورع انتقال العبد من الشك إلى اليقين من الريبة والتردد إلى الثقة والاطمئنان
فالورع والعفة والتقوى والخوف من الله صفاتٌ أصبحت غريبة في هذا الزمن
مَنْ مِنَ الناس اليوم يتوقف عند مشتبهات ويقول إني أخاف الله
مَنْ مِنَ الناس مثل الصِّدِّيق
كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه
فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام تدري ما هذا؟
فقال أبو بكر : وما هو ؟
قال : كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية ، وما أحسن الكهانة ، إلا أني خدعته