الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى. أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه.
واشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها الفوز والنجاح والفلاح والنجاة يوم لقائه، يوم يبعث من في القبور، ويحصّل ما في الصدور.
واشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، أمّا بعد:
فاتقوا الله يا عباد الله، فإن تقوى الله تعالى وصية منه سبحانه للأولين والآخرين من خلقه: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً). [سورة النساء، الآية: 131].
معشر الإخوة الأفاضل:
ومن الأمور الكفيلة بدفع البلاء ورد العقوبة: كثرة الاستغفار، وذلك بأن يكثر العبد الاستغفار والذكر والرجوع والإنابة لله عزّ وجل.
ولقد ذكر الله عز وجل في كتابه أن هذا مانع من العقوبة، ورافع لها، ودافع للبلاء - بإذن الله - قال سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). [سورة الأنفال، الآية: 33].
وأخرج الإمام الترمذي وغيره من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لِأُمَّتِي: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). [سورة الأنفال، الآية: 33]. فَإِذَا مَضَيْتُ تَرَكْتُ فِيهِمْ الِاسْتِغْفَارَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وقال عزّ وجل: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ). [سورة هود، الآية: 3]. وهذا على لسان نبينا صلوات الله وسلامه عليه.
وقال على لسان هود: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ). [سورة هود، الآية: 52].
والحاصل أن الاستغفار - بإذن الله - دواء نافع وناجع لدفع البلاء ورفع العقوبة، كما قال الأبوان لما ابتُلي آدم وحواء عليهما السلام: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). [سورة الأعراف، الآية: 23]. وقال الله عز وجل عنهما: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). [سورة البقرة، الآية: 37].
وقال الله عز وجل على لسان موسى وقومه لما أصابهم البلاء: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ). [سورة الأعراف، الآية: 155].
وقال الله عز وجل على لسان موسى لما أذنب واستغفر ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). [سورة القصص، الآية: 16].
وعلى لسان أيّوب عليه السلام: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ). [سورة الأنبياء، الآيات 83- 84].
وقد مكث أيوب في البلاء أكثر من سبع سنين، وقد فقد بيته وأهله وزوجه وأولاده، وأصابه بلاء عظيم، ومرض شديد، فدعا الله عز وجل بهذه الدعوة: (ربِ إني مسني الضر، وأنت ارحم الراحمين، يا عالماً بحالي، علمك بحالي يغني عن سؤالي). فاستجاب الله عز وجل له.
وكذلك ذو النون عليه السلام: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ). [سورة الأنبياء، الآيات 87- 88].
فيا عباد الله:
لجوّا بالاستغفار والتضرع إلى الله عز وجل والتوبة من كل الذنوب كبيرها وصغيرها، لجوا فإننا على ذنوب عظيمة، ولا يكفي الدعاء وحده ما لم يستغفر العبد ربه ويتوب إليه:
يا ناظراً يرنو بعيني راقد ** ومشاهداً لأمر غير مشاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ** درجاً بنعم نيل أجر العابد
ونسيت ربك حين أخرج آدما منـ ** ــها إلى الدنيا بذنب واحد
ومن الأمور التي هي - بإذن الله - كفيلة بدفع البلاء ورفع العقوبة: المسارعة إلى القربات والى الخيرات والحرص على الطاعات، لا سيما الصلوات المكتوبات والزكوات المفروضات، والمستحبات وغيرها من أفعال العبادة؛ ككثرة الذكر، وقراءة القرءان وغيرها.
اللهم ارزقنا توبتك .اللهم ارزقنا الانابة اليك اللهم ارزقنا الرجوع اليك يا رب العالمين