أيّها الأحباب:
ومن الشروط أن تكون الأمة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، تأخذ على يد السفيه وتأطره على الحق أطراً، وتردعه ردعاً، وتقصره قصراً.
فإن الأمة إذا تركت هذا الأمر عاقبها الله بعقوبة أعظمها أن يسد الله عزّ وجل بابه عنهم، وان يمنع قبول دعوتهم، كما جاء في الحديث الصحيح: "لتأمرن بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم".
ومن آداب الدعاء - أيها الأحباب - أن يدعو المؤمن بقلب صادق خاشع حاضر، وان لا يدعوا بقلب ساهٍ لاهٍ، وان يدعو وهو موقن بالإجابة، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل لاه".
ومن آدابه: أن يصدق العبد اللجأ والاضطرار إليه سبحانه، لأنّ الله عز وجل يستجيب دعوة المضطر ولو كان كافراً كما قال العلماء، وهو فهم منتزع من قوله عز وجل: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ). [سورة النمل، الآية: 62].
وقال عز وجل عن المشركين: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ). [سورة العنكبوت، الآية: 65]. وغير ذلك من الآيات، وهي كثيرة معروفة.
والدعاء أمر يعترف به الكفار الملاحدة، فقد عرفوا جدواه، واعترفوا بجدواه وأثره قبل المسلمين، وإن كانوا يؤولون ذلك فراراً من إثبات الخالق عز وجل، فلقد اشتهرت مقولتهم: "ضجيج الأصوات في هياكل العبادات بأفنان اللغات تحلل ما عقدته الأفلاك الدائرات!".
فينبغي على العبد أن يصدق اللجأ والطلب إلى الله عز وجل، حتى يستجيب الله عز وجل له.
أيها الأحباب:
ومن آداب الدعاء: ألا يستعجل العبد الإجابة أو يقول دعوت ودعوت فلم أره يستجب لي. قال الرسول صلى الله عليه وسام في الحديث المتفق عليه: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، قالوا: يا رسول الله، وكيف يعجل؟! قال: يقول: دعوت، ودعوت، فلم يستجب لي فيستحسر عند ذلك، ويدع المسالة".
ومن الآداب - أيها الأحباب - أنّ يستفتح العبد الدعاء بالثناء على الله عزّ وجل، ويختمه بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهكذا علّمنا الله عز وجل في صورة الفاتحة، فأوّلها ثناء على الله تعالى، وآخرها دعاء لله عز وجل، وغير ذلك.
وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "يا حي يا قيوم بك استغيث".
وجاء رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى وانصرف ولم يصل عليه صلى الله عليه وسلم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "عجل هذا، ثم دعاه، فقال له: يا هذا، إذا دعوت فأثني على الله في أوله وصلي على رسول الله في آخره".
وأخبر الرسول صلى الله صلى الله عليه أنّ الدعاء يكون معلقاً بين السماوات والأرض حتى يصلي صاحبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن آداب الدعاء - أيها الأحباب - أن يتحين العبد أوقات الإجابة، ومن أوقات الإجابة: بين الأذان والإقامة، وبعد الصلوات المكتوبات، وفي الثلث الأخير من الليل، في وقت التنزّل الإلهي، وقوله لعباده: "من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له، من يسألني فأعطيه" وذلك حتى يطلع الفجر.
ومن أوقات الإجابة - أيها الأحباب - ومن الأوقات التي يرجى أن يستجاب فيها الدعاء أن يدعو العبد وهو ساجد، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء". أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
وعلى العبد أن يكون دائما وأبداً حريصاً على الدعاء، فان الدعاء - بإذن الله - يرفع البلاء ويدفع العقوبة، كما جاء في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يرد القضاء الا الدعاء".
وكما اخرج الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغني حذر من قدر، وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وان الدعاء ليصعد في السماء فيلقى البلاء فيعتلجان بين السماء الأرض إلى قيام الساعة".
وكما قال صلى الله عليه وسلم الدعاء: "سلاح المؤمن".
والحاصل - أيها الأحباب – أنّ العبد ينبغي أن يفزع إلى الله في الدعاء، لا سيما في هذه الأوقات العصيبة، لا يشغلنا تتبع الأخبار وتلقف الأنباء، والتلفاز وغير ذلك من بعض هذه المحرمات عن دعاء الله عز وجل، فإننا في وقت عصيب أحوج ما نكون فيه إلى الاتصال بالله عز وجل. بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.