الموضوع: البديلة..
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 3  ]
قديم 2007-11-28, 1:04 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي


(3)

اغتيال الأمل..




عن طريق الهاتف الجوال – الذي تسبب في كثير من اللعنات- تعرفت على الشاب (تركي)، كان لطيفاً معي لأبعد الحدود، حديثه ساحر، صوته مدهش، يتقن أساليب ما يسمى بالحي، صرنا نتحادث هاتفياً بشكل يومي، كان يبدو صادقاً في حبه، بينما كنت أتلاعب بعواطفه ومشاعره، توطدت العلاقة بيننا، ولا يستطيع أحدنا أن يقضي يومه، أو جزءاً من يومه دون أن يحدث بيننا اتصال.

وذات ليلة اتصل بي (تركي) وبعد أن تجاذبنا أطراف الحديث في شتى المواضيع، مثل كل مرة، قال لي: أود أن أراك الليلة، فقلت له: إن الأمر ليس سهلاً، فترجاني أن أعمل ما في وسعي لكي يراني في نفس الليلة، وحاولت أن أعقّد الأمور حتى تستصعب عليه، فطلبت منه طلباً غريباً، أن يأتيني بشيء من المخدرات، أخبرني أنه لا يعرف شيئاً عنها، ولم يرها في حياته، فقلت له أن الأمر بسيط، سأعطيك تليفون أحد الأصدقاء فيدلك على من يدلك عليها، فتحضرها وتأتي لتراني على الطبيعة كما ترغب، وافق وأخذ رقم هاتف الشخص الوسيط، واتصل بالشخص الذي لديه (الممنوعات)، وطلب منه الحضور فوراً لأخذ ما يريد، وكان الموقع بعيداً على أطراف المدينة التي نسكنها، في إحدى المزارع النائية، غامر (تركي) وذهب إلى هناك، وأنا في انتظاره على أحر من الجمر، تأخر كثيراً عن موعده، وقلت: ربما هناك ازدحام في الطرق، أو أنه تأخر لدى صاحب (المعلوم)، وصرت أبحث له عن شتى الأعذار: ولكن حدثت الكارثة، فيبدو أنه كان يضع المخدر في جيبه، وعندما عبر إحدى نقاط التفتيش، ارتبك لدى طلب رجل الأمن الأوراق الثبوتية، فشك رجل الأمن في تصرفاته، وبدأ يفتش السيارة بعد أن أوقفها على جانب الطريق، وعند تفتيش جيبه عثر على كمية قليلة من المخدر، تم ضبطه واقتيد إلى السجن؛ توطئة لتقديمه للقضاء.

رغم ارتباكه وسهولة وقوعه في يد قوات الأمن، استطاع (تركي) أن يتصرف، حيث لم يشأ ذكر اسمي، وفضَّل عدم إقحامي في الأمر برمته، وقرر أن يواجه القضية بمفرده، فقال لهم: أحضرت هذا المخدر رغبة في تجريبه ومعرفة مفعوله؛ لأني أسمع من الناس كثيراً عن المفعول السحري لهذه النبتة، وقررت أن أجربها بنفسي، وذهبت إلى أحد البائعين، قابلني في البر وأعطاني هذه الكمية، وبذلك سجلت القضية تحت اتهام تعاطي المخدر، رغم أنه لم يتعاط شيئاً حتى تلك اللحظة.

أُدخل بموجبها السجن، فانهار والده عندما سمع النبأ الصاعقة، خصوصاً أنه كان يعاني من مرض السكري، فأصيب بجلطة، ولكن هوَّن الله عليه ذلك فتماثل للشفاء بعد المكوث بالمستشفى لعدة أيام، أما والدته فقد أغمي عليها وسقطت على الأرض، وتعبت نفسياً وجسدياً، وكذلك إخوته وأخواته، وأصيب هو الآخر بصدمة نفسية لما أصاب والديه بسبب تصرفه، ومكث بالسجن المدة المحددة، وتعب أهله نفسياً، وكانت معاناته هي الأكبر، وبرغم ذلك اتصل بي ليخبرني ما حدث.

أما أنا فقد ذهلت حين سماعي النبأ؛ لأن أخباره كانت منقطعة عني تماماً، وكان هاتفه النقال مقفلاً طيلة تلك الفترة، ولم أكن أعرف له رقماً غيره، وبعد سماعي الرواية تألمت كثيراً لما لاقاه بسببي، واعتذرت له، والآن ضميري يحاسبني على ذلك الفعل، ويؤنبني بشدة؛ فأنا تسببت في انحراف شاب في مقتبل العمر، ومرض والديه، وصدمة إخوانه، وضرر سمعته وضياع مستقبله، فهذه مأساة إنسانية تسببت فيها لعدم حسابي للأمور بطريقة صحيحة؛ لأني اتبعت الهوى والشيطان، ولم أستخدم الجوال بطريقة حضارية، ولا بمسؤولية فتركت لنفسي العنان حتى أوقعتني في شر الأمور ودمار شاب، ربما كان يبحث عن شريكة العمر فأغويته إلى طريق الضلال، والآن لم يقتصر الضرر عليه.. بل على أسرته كاملة، وعلى سمعته التي تلوثت في نظر الناس، رغم أنه لم يرد الانتقام مني، بل أخفى علاقته بي، ولم يشر إلي عند التحقيق معه، فأنا الآن معذبة لعدة أسباب، أولها الندم على التصرف من حيث المبدأ، وثانيها ما لحق بالشاب (تركي) وأسرته من ضرر معنوي، وكذلك ضميري الذي يمزقني من الداخل ويحاسبني على ما فعلت، مقابل أنه كان شهماً وتحمل مسؤوليته تجاه القضية، ولم يقل: إنني كنت السبب..!!



**
المصدر: مجلة بنات اليوم العدد (13)





--------------------------------------------------------------------------------



(4)

كبريائي.. دمر حياتي


لم يكن في حسباني أن أرى بأم عيني، ما شاهدته وأنا في كامل وعيي ويقظتي
وقواي العقلية، ولكن أحياناً يحدث أن يرى المرء ما لا يسره، ولا يستطيع أن يفعل
شيئاً خصوصاً إذا كان هو المتسبب في ذلك.


ذات مرة وبينما كنا عائدين من جولة ترفيهية، زوجي وأنا، وابنتنا الصغيرة (رشا) والخادمة الآسيوية (الهادئة) وكانت السيارة تتهادى عبر الطريق الخالي من الحركة إلا في فترات متقطعة.. حدث خلاف في الرأي حول أحد الموضوعات التي تهمنا، واحتد الكلام بيننا وتعصب كلانا لرأيه، رفض التنازل فهو رجل له شخصيته وليس من السهل أن ينثني، وأنا اعتبرت المسألة تتعلق بالكرامة وعزة النفس، وقلت طالما أنا على حق.. فلن أرجع عن رأيي.


نصف مسافة الطريق تقريباً، أمضيناها في صمت رهيب، كأننا ركاب في أحد القطارات الأوروبية، حيث لا يعرف أحد الراكب الذي بجواره، ولا حديث ولا مؤانسة، ومرت تلك الدقائق ثقيلة ومملة وقاتلة، حتى وصلنا إلى منزلنا، وبعد أن أدخلنا ما معنا من أمتعة دخل كل منا غرفة، ولم نجلس سوياً.. كان يتوقع أن أعتذر له، وأتودد إليه، وأذهب إليه في الغرفة التي بقي فيها كنوع من الترضية وتطييب الخاطر. لكنني لم أفعل شيئاً من ذلك.. صار لا يكلمني ولا يقترب من غرفتنا التي نقيم فيها سوياً، ولا يطلب أكلاً ولا شرباً ولا سلام بيننا، تأزمت الأمور ووصلت حد القطيعة، صار يذهب إلى المطاعم ليتناول الوجبات، ويعود إلى المنزل ليقضي تلك السويعات في غرفة خاصة به، حتى إذا طل الصباح نهض وأعد نفسه للعمل.. وإذا جاء ومعه بعض الأغراض أو المواد التموينية، ناولها للخادمة لتضعها في أماكنها المحددة.


كان يتحرق من الداخل ويتألم ولكنه لا يبوح بذلك.. حيث كان يأمل أن آتيه سعياً أو (حبواً) لكنني (للأسف) لم أفعل ذلك.. كنت مثله أيضاً.. أحترق داخلياً وأتألم.. وربما أكثر منه، لكن لم تبدر مني كلمة تعبر عن فقدي له بجواري واحتياجي له في كل الأوقات، وعذابي النفسي لابتعاده عنا.. وكنت أكتم ذلك أشد ما يكون الكتمان.. لكن الكبرياء والغرور.. جعلني أتجاهل كل معاناتي وأصر على ألا أنكسر له، وأقول في نفسي: طالما أراد ذلك فليكن له ما أراد، ولا شك أنه كان يكظم غيظه، ويعتصر ألمه، ويداري معاناته، ولكن ماذا كان يجري في الخفاء؟ الله وحده أعلم بذلك..


لم يتراجع أحدنا ويتنازل للآخر، مرت الأيام، والقطيعة قائمة، ومتفاقمة، والأثر النفسي يفيض، ويبدو أن حالته كانت أسوأ مما أتصور، خصوصاً أنه كان يتوقع ألا تطول مدة القطيعة، وألا أعامله بتلك القسوة.


خلال هذه الفترة، كانت علاقته بالخادمة أكثر مما سبق حيث كانت هي التي تعد له مستلزماته، وتجهز ملابسه وتستلم منه الأغراض المحضرة من السوق، وتبلغه بالطلبات الناقصة في البيت. فكان التواصل معها تمليه ظروف عدم التواصل بيننا.. لكن هذه العلاقة – فيما يبدو – لم تقف عند حدود الضروريات وقضاء الحاجات.. بل تعدت ذلك ووصلت إلى مستوى الزيارات والمحادثات، وقد أحسست بذلك قبل أن أراه بأم عيني.


ذات ليلة استيقظت في ساعة متأخرة، وسمعت صوت حركة مشي داخل البيت، وخرجت أتتبعه، وقبل أن أعرف عنه شيئاً سمعت باب غرفة الخادمة يغلق بعنف.. اتجهت نحوه وقلبي يخفق، فوصلت عنده وطرقت الباب فإذا هي مستيقظة، مرتبكة.. قدمت من الغرفة التي ينام فيها زوجي.. وبتوجيه الاتهام لها والضغط عليها انهارت وأقرت بأنها كانت معه على اختلاء.


وفيما بعد عرفت أنها كانت تزوده بالخمر عبر طرف ثالث بواسطة أحد السائقين من بني جلدتها.. فاكتشفت أن الضغط النفسي الذي تعرض له، وأن وجود فرصة لتواصله مع الخادمة كانا سبباً في أن يضعف أمامها وينحرف في الهلاك.. لا أخفيكم انهارت الثقة بيننا بعد أن انكشف المستور، وتم القبض على الخادمة والشبكة التي تتعامل معها من أبناء جلدتها.


المجرم الخائن.. الذي يمكن أن يطلق عليه (الضحية) أصبح هائماً.. تعيساً، يعيش بمفرده في شقته، ومبلغ علمي أن ظروفه العملية ساءت، وكذلك حالته النفسية، صار كثير الغياب عن العمل وكثير السفر، والانزواء بعيداً عن الأهل والأصدقاء.


أما أنا فقد عدت إلى بيت أهلي، أحمل (رشا) الصغيرة وأحمل هماً في رأسي، وهماً في أحشائي، وفقدت زوجي ولم أرض نفسي، وكان بالإمكان معالجة الأمر في مراحله الأولى.. ولكن ذلك لم يحدث.. وبسبب عنجهتي وكبريائي.. أضعت زوجي ومستقبل ابنتي وكذلك المجهول الذي حملته في بطني.. والذي صار اليوم (الشاب ف). أما الحد الفاصل في العلاقة مع أبيهما.. فكانت علاقته بالخادمة فأصبحت بعد ذلك كل علاقاته الاجتماعية سيئة، وتجاربه فاشلة، فلم ينجح في الزوجة الثانية، ولا الثالثة ولا في حياته العملية..


إنها مأساة إنسانية لا أبرئ نفسي من المشاركة في صنعها، وإزكاء النار التي احترق فيها زوجي السابق كإنسان!!.



**
المصدر من مجلة بنات اليوم العدد (15)




--------------------------------------------------------------------------------