رحلة مع سيد الأوفياء
ما عُرف خُلق الوفاء في حياة البشر كما عُرف في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم حبيبك وشفيعك محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي أدبه ربه فكان القرآن خُلُقه ، لقد وصَلنا من مواقف وفاته عليه الصلاة والسلام ما تنحى أمامه الهامات وتضمحل الشعارات وتعجب العقولوتأسر القلوب ،
دعينا نرتع في بستان وارف الظلال مع قصص من وفاء .
صديقات خديجة رضي الله عنها
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : ما غرتُ على أحد من نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – ما غرت على خديجة ، وما رأيتها ، ولكنالنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ، ثم يقطعها أعضاء ، ثم يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له : كأنه لم يكن فيالدنيا امرأة إلا خديجة ، فيقول :
" إنها كانت ، وكانت ، وكان لي منها ولد
مع المطعم بن عدي
ما كان المطعم بن عدي صحابياً بلمشركاً مات على شركه لكنه كان صاحب مواقف كريمة مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد كان أحد الذين سعوا في نقض الصحيفة الظالمة التي علقتها قريش على الكعبة وفيها مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب .
وكان له موقف عظيم آخر ، فحين رجع النبي – صلى الله عليه وسلم – من الطائف حزيناً مهموماً بسبب إعراض أهلها عن دعوته ، وماألحقوه به من أذى ، لم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها ، وإنما فضّل أن يدخل النبي – صلى الله عليه وسلم – مكة في جواره ، فجمع قبيلته ولبسوا دروعهم وأخذوا سلاحهم وأعلن المطعم أن محمداً في جواره ، ودخل النبي – صلى الله عليه وسلم – الحرم وطاف بالكعبة ، وصلى ركعتين ، ثم هاجر وكوّن دولة في المدينة ، وهزم المشركين في بدر ووقع في الأسر عدد لا بأس به من المشركين ؛فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – حافظاً للجميل :
" لو كان المطعم بن عدي حيّاً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له "[صحيح ] * .
======
*
1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر : ( لو كان المطعم بن عدي حيا ، ثم كلمني في هؤلاء النتنى ، لتركتهم له ) .
الراوي : جبير بن مطعم - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 4024 - خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر : لو كان المطعم بن عدي حيا ، ثم كلمني في هؤلاء النتنى ، لتركتهم له .
الراوي : جبير بن مطعم - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 3139 - خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
3 - لو كان المطعم بن عدي حيا ، ثم كلمنى في هؤلاء النتنى لاطلقتهم له - يعنى أسارى بدر -
الراوي : جبير بن مطعم - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم : 5283 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
الوفاء .. لمن ؟!!
لله الذي خلقك فسواك وحباك بالنعم وأنزل عليك رحمته وهداك للدين المُنجي ، استجاب دعواتك وكشف كرباتك وسخّر الكون لرغباتك ،يغفر الزلاّت ويقبل الطاعات ويجازي بالحسنة أضعافاً مضاعفة ، يقدّر الأسباب ويعذر الجاهل ويُمهل الغافل ..
" يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم "
ففي لمن أوجدك من العدم وجعلكِ من البشر لا تراباً لا حجر !!
للناس : جميعهم صغيرهم وكبيرهم ، البر والفاجر ، كل من أحسن إليكِ ومد لكِيداً من المعروف أو عطاء يُخجل النفوس ، قال عليه الصلاة والسلام :
" من أسدى إليكم معروفاً فكافؤه وإلا فادعوا له "*
كوني وفيّة لجميع الناس : أمك وأبيك ، أختك وأخيك ، كل قريبة جارة أو زميلة ..
" إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم "

=====
* أخرجه أبو داود (1672)(128/2) واللفظ له ، والنسائي (2567)(82/5) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (254) ، عن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله ج : من استعاذ بالله فأعيذوه ، ومن سأل بالله فأعطوه ، ومن دعاكم فأجيبوه ، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه ؛ فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه . -