حين دخلت مصلى النساء !!
كتبهاعبدالعزيز الحربي
بسم الله الرحمن الرحيم
حين تحب أحداً من الناس حباً لا يوصف ؛ ويشاء مقدِّر الأقدار أن يبتعد عنك إما لطلب رزقٍ أو غيره فتراه على فترات متباعدة , لاشك أنك حينها ستعد الليالي والأيام لموعد قدومه , وستذرف الدمعات عند قرب رحيله , وتشعر بوحشةٍ عجيبةٍ وضيقٍ في الصدر غريب عندما يودعك ويذهب , وأنت لا تدري أيكتب الله لكم لقاء بعدها أم يكون هذا اللقاء آخر العهد بينكما !
هذا والله ما أحسست به عندما دخلت مصلى النساء ؛ فوجدت الفُرُش قد كُفَّت ووضعت في ركنٍ من أركان المصلى ؛ هذا المصلى الذي كان يجهَّز في كلِّ ليلة , ويطيَّب , وينظَّف , وتُوزَّع فيه قواريرَ المياه !
مضى عليه قرابة الشهر والقرآن فيه يُتلى , والنساء فيه تركع وتسجد وتسأل المولى القبول ! وها هو اليوم خال من النساء !
يا الله إنه شعورٌ غريب !
مَنْ يا ترى سيبقى لحضوره وشهوده مرة أخرى ؟! ومَنْ يا ترى سيكون آخر عهده به الشهر الذي مضى ؟!
إنَّ ليالي رمضان وأيامه كما أخبر عنها الخبير العليم ( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) وهي بالتشبيه حالة الإنسان في هذه الدنيا ! يُتَرقَب دخوله ويُفرح بقدومه كما يُترقب المولود متى يَقدم ليُفرح به ! حتى إذا أتت ساعة الرحيل بكى الصالحون والصالحات لذهابه ورحيله ؛ لأنهم أهل هذا الشهر كما يبكي أهل الإنسان عليه عند موته ورحيله ! أما غيرهم فلا بكاء ترى في أعينهم ولا حزناً في قلوبهم فلم يرحل عنهم عزيزٌ ولا حبيبٌ حتى يبكوا عليه ويحزنوا كالإنسان الذي يَشهد جنازة رجلٍ غريب لا يتأثر بوفاته !
( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) لتعلم أنَّ صبرك على الصالحات لن يذهب سدى ورحم الله الإمام أحمد حين قال لابنه عبد الله يعظه ويزهده في عطايا السلطان وزخرف الدنيا : يا بني طعام دون طعام وشراب دون شراب وأيام قلائل !