(4)
المركز الصيفي .. كان بداية الانطلاقة .. ومشروعاً لحياة جديدة مع كثير من الشباب ..
إنها البذرة الصالحة .. والغرس الطيب .. والتي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ..
سنتجاوز جميع ما حدث في المركز .. لننتقل إلى يوم السبت .. حيث بدأت الدراسة لعامها الجديد ..
كان [ صالح ] يدرك أن هذا العام سيكون مختلفاً عن سابقه .. فحياتي ستكون لله ومع الله .. فما أعظمه من هدف ..
أصبح [ صالح ] يعد الدقائق والساعات وهو ينتظر أول أيام الحلقة .. فهو يسمع عن الحلقات وطلابها .. ويرى ما هم فيه من الخلق والسمت .. لكن .. أن يكون أحدهم فهو ما لم يتصوره طيلة حياته ..
وبعد الصلاة .. انطلق إلى حلقته برفقة أخيه [ راشد ] في سيارتهما المتواضعة .. لكن الهمة .. تصنع أهل القمة ..
دخل الجامع .. وكانت بداية الحياة مع القرآن ..
لقد كان [ صالح ] يحمل همة عالية .. جد عالية .. حيث بدأ الحفظ من سورة ( البقرة ) .. وكان يحفظ القرآن كما أنزل مرتلاً مراعياً أحكام التجويد الصحيح ..
أحس [ صالح ] بنشوة وهو يحفظ كتاب الله .. فهو أمام تحد جديد وصراع شديد نحو هدف عظيم ..لذا .. لم يكن [ صالح ] عادياً ينهي المطلوب منه فقط - كما كان غيره - .. بل كان يجاهد نفسه وينجز كما ينجز الطالب الحافظ لكتاب الله ..
لكن ..
كان أمام [ صالح ] عقبات كثيرة يصعب تجاوزها ..إذ لم يكن التغير الجذري بالأمر الهين .. فلقد عاش في أكثر البيئات سلبية بين أبوين وإخوة عوام .. لا يكاد أحدهم يعرف من العلوم الشرعية أو الدنيوية شيئاً يميزه ..
كان أعظم الحواجز أمامه حاجز اللغة العربية .. فلقد كان يشعر بالنقص أمام زملائه وهو يتحدث إليهم .. فلغته العربية ركيكة جداً .. فضلاً عن أن يحاول التحدث في النحو أو يعرب بيتاً أو حتى كلمة من مقال ..
وكم كان يحس بالحرج الشديد حين يطلب منه المعلم القراءة .. فيحاول جاهداً .. لكن [ الخرق ] أعظم من [ الرقع ] ..
ذات يوم ..
كان [ صالح ] جالساً مع نفسه .. قد أخرج ورقة وأخذ يسجل جوانب النقص لديه .. مباشرة كتب : النحو واللغة العربية ..
ثم أخذ يفكر ..
تذكر أنه مرة اختلف هو وصاحب له في المسح على الخفين للمسافر .. ثم مر على ذهنه ذلك الموقف الذي لا يكاد ينسى ..
فلقد سأل المعلم عن القصر في السفر .. فأجاب بأن صلاة المغرب تقصر إلى ركعتين .. فلم يكمل الجملة حتى عم الضحك الفصل ..
لقد كان موقفاً محرجاً .. ( تمنيت أني لم أنطق .. بل لم أحضر ذلك اليوم ) ..
فكر ..
كيف لي أن أطور نفسي في هذا ..
تذكر أن هناك درساً في الجامع الكبير في الحي المقابل .. يلقي فيه أحد كبار العلماء درساً ميسراً في فقه الطهارة والصلاة ..
وبعد العشاء .. حمل دفتره .. وانطلق إلى الجامع ..
وفي الجامع : كان الجميع قد تحلّق حول الشيخ .. في منظر مهيب .. ( يا لله .. أجلوا الله فأجلهم .. ) .. قالها [ صالح ] وهو يدلف داخلا ..
وبعد الركعتين .. جلس عند الشيخ .. وبدأ مشواره مع طلب العلم ..
ومرت الأيام ..
----------------------
ذات يوم ..
جلس [ صالح ] مع أخيه [ راشد ] يحكي له معاناته مع اللغة العربية ..
[ صالح ] : [ راشد ] لقد عانيت كثيرا من تعلم اللغة العربية .. أكاد أجن .. لقد فقدت الأمل .. إنها معقدة حقاً ..
[ راشد ] : وانا كذلك .. لقد واجهت صعوبة كبيرة في فهم المعلم هذا اليوم ..
[ صالح ] : لكن ما الحل .. ؟ أنقف مكتوفي الأيدي ؟؟ ..
[ راشد ] : لا أدري .. لكن ألا يمكن أن نجد من يعلمنا ؟؟
[ صالح ] : يعلمنا .. !
[ راشد ] : ما بالك .. هل قلت خطأ ؟؟
[ صالح ] : أبداً .. لكن ذات يوم .. وعندما كنت عند الشيخ في درس الفقه .. كان بجواري رجل يدرس في كلية اللغة العربية بقسم الدراسات العليا ..
[ راشد ] : ممتاز .. ألا تعرض عليه الأمر ..
[ صالح ] : بالتأكيد ..
وفعلاً .. وافق الأستاذ على تعليمهم .. مقابل مبلغ رمزي ليعلم جديتهم ..
-----------------------
كان الأستاذ [ خالد ] يشرح مادة النحو لطلاب الصف الثالث ثانوي ..
وبعد الدرس ..
سأل [ صالح ] عن جزئية في الدرس ..
كان الأستاذ خالد مثالاً للمعلم الناجح والمخلص ..
قال الأستاذ : لو قلنا مثلا : الطلاب ناجحون .. ما إعراب ( ناجحون ) ؟؟
سكت [ صالح ] ..
أعاد الأستاذ .. ولكن لم يجب ..
كرر السؤال ..
نزل [ صالح ] رأسه .. وقال : لا أدري ..
كانت صدمة كبيرة للأستاذ [ خالد ] .. فـ [ صالح ] من الطلاب الممتازين على مستوى القسم الشرعي ..
فكر قليلا .. ثم قال : أنصحك يا [ صالح ] بقراءة الأدب الجاهلي مع إعرابه .. وستجد الفرق بعد أيام ..
لم يعلم الأستاذ أن تلك ستكون شمعة .. بل شمساً ستتقد في طريق [ صالح ]..
-------------