اتصلت في الطريق على جميع مستشفيات مكة المعروفة لي ..
رابني ..إفادة الممرض بنقل الوالد لمستشفى الششه وأختي لمستشفى النور..!!
لماذا فرقوهما؟؟ قالوا لعدم وجود أسرة بسبب الحج..!!
كانت بعض الاتصالات من الأقارب مزعجة..
حيث لا يراعي البعض مشاعر الإنسان وهو يقود في طرق خطرة..
ولكن الله سلم..
أمرتني الوالدة بالتوجه لمستشفى الششه فقد كان الهم بالوالد أكبر!!
ومن ذا يعز عليها أكثر من أبي محمد!!
ولكن أخي الكبير حين علم بوجهتي وقد علم بموت الوالد حينه
خاطبني بنبرة عادية ولم يظهر عليها الحزن.. بالتوجه لمستشفى النور..
وأصر علي بإحضار الوالدة لهم ، وبعدها ننطلق لمشاهدة الوالد..
في إحدى اتصالاتي للششه طلبت من الممرض بإلحاح كبير أن يوصلني بالخط لأتحدث
مع الوالد، ولكنه ماطل بحجة بعد التلفون وأنه في غرفة العمليات ونحو هذا الكلام..
وحسنا فعل جزاه الله خيرا..
يعجبك فطنة بعض الناس في تصرفاتهم..
كانت الوالدة طوال الطريق تضرب بيدها على صدرها بشكل متتابع.. وبدون نواح..
ولصدرها أزيز كأزيز المرجل..
وتقول ياولدي أبوك صار له شيء أنا أشعر بذلك!!
أكيد يابو محمد صار عليك شيء ما شعرت يمه بمثل هذا الشعور قبل اليوم..!!
كنت أسفه رأيها، وفي قرارة نفسي أوافقها ولكنني رحمتها...
ولو تركت للظنون سبيلا لقلبها لانفطر من حينه لا قدر الله..
وصلت لمستشفى النور وبالكاد حصلت موقفا للسيارات..
كنت والوالدة نلهث خلف كل من نراه مقفيا نحسبه أخا أو والدا!!
وصلت للاستقبال.. لاحظت عليه البرود فأشعرني ذلك بالراحة..!!
أعطيته أسماء المصابين..
أشار لي بالذهاب لمكتب التنويم..
وبحمد الله قبل وصولي لهم اتصل أخي ..
فقد كانت عاطفتي والوالدة أشبه ببركان..ينتظر الثوران ..
أصررت على الوالدة أن تجلس على مقاعد النساء..
وبحثت عن أخوي وحينما شاهدتهما من بعيد.. تفرست في وجهيهما ..
لعلي أعرف خبرا ..
وحينما التقينا ، أشاح أحدهما بوجهه عني ليخفي دمعة تحدرت من عينيه..
ومن ثم ضمياني وبكيا كطفلين صغيرين..
مات أبونا يافلان مات..
استرجعت ،، ولم استطع الاستمرار في الوقوف فقعدت على
الرصيف أبكي كيتيم ...
كان الهم عند إخوتي على الوالدة..
فهي كبيرة في السن ولربما تسوء الكارثة ... وتتضاعف المصيبة ..
لم تنتظر الوالدة فلقد بحثت عنا فجاءت تتبع الخطى ..
وين أبوكم يامه؟؟
وين أختكم ؟؟
ويش صار وأنا أمكم ..
بكى الأخوان عندها فصرخت الوالدة وسقطت على الأرض..
أما الأخت فقد انكسرت ذراعها وأصيبت بشعور في الظهر.. ولكن الله سلم..
فقد كادت المسكينة تلحق بوالدها ..
فالحمد لله على عافيتها ..
كانت تلك الليلة كابوسا بما تعنيه الكلمة من معنى..
فهول المصيبة ثم ما يترتب عليها من ترتيبات من تغسيل وصلاة ودفن
وغير ذلك تشكل أزمة واستنفارا لكل الطاقات..
لم نذق جميعا طعم النوم ..
كنت في تلك الليلة أفكر بالوالد في الثلاجة ..
هممت أن أذهب للثلاجة لأكون قريبا منه!!
وما عساني أنفعه حينها!!