فقرر نقلها لمستشفى الملك فيصل في الطائف ..
كانت في شبه غيبوبة وتأن تحت ثقل المرض ..
وصلوا للطائف برفقة أمه وأخته الشقيقة وكانت أمي بانتظارهم بالطائف..
حينما استيقظت الجدة من غيبوبتها ..
سألت عن والدي !!
فجاء من فوره..
قالت اتجه الآن ياولدي للباحة وأحضر صكوك العقارات !!
وأصرت وألحت بأن ينطلق من فوره ..!!
فقد كانت تخشى أن تسرق أو أن تؤخذ من البيت بغير علم أبي..
كانت الجدة امرأة حازمة ووالدي لا يعصي لها أمرا أبدا..
توجه الوالد للباحة وأحضر ما طلبته أمه ووصل في الليل متأخرا متعبا..
حينما عاد أعدت الوالدة الشاي للوالد ليتنشط به من السفر..
ولكن حارس العنبر طلب من الوالد الخروج لانتهاء فترة الزيارة ..
بقيت الوالدة مع الجدة وكنت أنا ثالثهما أما رابعنا فهو ضيف كريم..!!
إنه ملك الموت عليه السلام!!
طلبت الجدة من أمي أن تفرق لها شعرها فرقتين وتدهن رأسها..
لأنها تشعر بصداع شديد وما كانت تعلم بأن ذلك من عوارض الموت..
تمددت جدتي واتكأت بظهرها على أمي وأخذت أمي تمشطها..
صمتت جدتي برهة من الزمان ، وسقطت يداها على الأرض..
صاحت بها الوالدة .. يافلانه يافلانه..
لم ترد عليها..
وفجأة فتحت الجدة عينيها و قالت جدتي بعد أن مدت يديها كأنها ترى أحدا..
تعال يابني تعال ياصالح..تعال ياحبيبي!!
وصالح هذا أحد أبناءها الذين توفو في عمر السبع سنوات تقريبا..
ثم رفعت اصبعها وهزته برفق تريد التشهد، وتشهدت ثم فاضت روحها..
هذا ملخص ما حدثتني به الوالدة ..
وأما والدي فإنه حين مغادرتي مع الوالدة للباحة ..
خرج بعدنا بدقائق وتوجه مع أختي الصغيرة رباب..
تحدثني رباب تقول:
كان الوالد يمازحها ويضاحكها طوال الطريق ..
وكنت أريد أحدثه في أمور كثيرة تعنيني..
ولكنني حينما رأيته مسرورا يمزح كرهت أن أبدل مزاجه الطيب..
لم تكن تعلم المسكينة سر هذا المزاج الطيب ..!!
حينما وصلا لجبل الهدى توقف والدي في الصندقة المعدة للصلاة التي في أعلى الجبل ..
وتأكد من مصلى النساء فنزلا للصلاة ..
وقال لها : صلي المغرب والعشاء فربما لا نعيش يابنتي!!!
سبحان الله !! هل يعلم الميت بدنو أجله..
هل يبلغ بشيء الله أعلم..
غير أني لا حظت في والدي إقبالا على العبادة في الشهور الأخيرة بما لا عهد لي به..
وتقول أختي وهي رفيقته في عدة سفرات :
لم تكن عادته أن يجمع الصلاة في السفر..
بل كان يحرص أن يصلي كل صلاة لوقتها في المسجد أينما وجد...
يحدثني شخص زارني للعزاء يقول:
قبل أسبوعين هرب شخص من الشقق المفروشة التابعة لوالدكم ..
ولم يدفع أجرة الشقق...
فقلت له يابو محمد عندك رقم جوال الرجل اتصل عليه وبلغ عنه الشرطة..
قال الوالد لا، دعه فسوف استرجعها منه يوم الدين فأنا سأحتاجها قريبا..!!
قرأت في كتاب التذكرة للقرطبي ،عن أثر أن الله تعالى إذا أراد بعبده خيرا وكل له
ملك ينشطه للطاعة قبل موته ثم يقبضه على الطاعة.. والله أعلم.
كان الوالد مع كبر سنه يسرع في قيادة السيارة..
فلقد انطلق بسرعة تفوق المائة وستين في الطريق السريع بين الطائف ومكة..
وفجأة ظهرت له سيارة في وسط الخط شبه متوقفة..
ويظهر أنها خرجت من فرجة وسط الطريق...
وقد أنكر ضابط المرور ذلك .. ولكن أختي أكدته وشاهدت السيارة..