وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية
وأم كلثوم قبل البعثة، فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما.
ولما مات عبد الله ـ الابن الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ استبشر أبو لهب
وذهب إلى المشركين يبشرهم بأن محمدًا صار أبتر.
وقد أسلفنا أن أبا لهب كان يجول خلف النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج
والأسواق لتكذيبه، وقد روى طارق بن عبد الله المحاربى ما يفيد أنه كان لا يقتصر على
التكذيب بل كان يضربه بالحجر حتى يدمى عقباه.
وكانت امرأة أبي لهب ـ أم جميل أروى بنت حرب بن أمية، أخت أبي سفيان ـ لا تقل
عن زوجها في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت تحمل الشوك، وتضعه
في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى بابه ليلًا، وكانت امرأة سليطة تبسط
فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء والدس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء
على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك وصفها القرآن بحمالة الحطب.
ولما سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق وفي يدها فِهْرٌ [أي
بمقدار ملء الكف] من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ قد بلغنى
أنه يهجونى، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما والله إني لشاعرة. ثم قالت:
مُذَمَّما عصينا * وأمره أبينا * ودينه قَلَيْنا
ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله ، أما تراها رأتك؟ فقال: (ما رأتنى، لقد أخذ
الله ببصرها عني). وروى أبو بكر البزار هذه القصة، وفيها: أنها لما وقفت على أبي
بكر قالت: أبا بكر، هجانا صاحبك، فقال أبو بكر: لا ورب هذه البنية، ما ينطق
بالشعر ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمُصدَّق. كان أبو لهب يفعل كل ذلك وهو عم رسول
الله صلى الله عليه وسلم وجاره، كان بيته ملصقا ببيته، كما كان غيره من جيران
رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذونه وهو في بيته. قال ابن إسحاق: كان النفر
الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص
بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدى بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلى ـ
وكانوا جيرانه ـ لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح
عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلى، وكان أحدهم يطرحها في برمته
إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرًا ليستتر به منهم إذا
صلى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج
به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: (يا بني عبد مناف، أي جوار هذا؟)
ثم يلقيه في الطريق. وازداد عقبة بن أبي مُعَيْط في شقاوته وخبثه،