السفر إلى الماضي بين العلم والقرآن
في هذه المقالة نتعرف على حقيقة مهمة في القرآن وهي أن كل واحد منا سيرى أعماله يوم القيامة حاضرة، وهذه الحقيقة قد أنكرها الملحدون من قبل، وسوف نرى كيف يأتي العلم الحديث ليؤكد إمكانية رؤية الماضي ولكن لا يمكن تغييره.
اعتراضات غير علمية
ما أكثر الاعتراضات التي قدمها المشركون وأنكروا من خلالها يوم القيامة ولم يتخيلوا كيف سيبعثهم الله بعد أن أصبحوا تراباً، ولم يتخيلوا كيف سيحاسبهم على أعمالهم، بل كيف سيرون أعمالهم!
إن القرآن الكريم هو كتاب الحقائق، فكل آية من آياته تتضمن حقيقة علمية لا بدّ أن نكتشفها بشرط أن نتدبرها ونتأملها ونتفكر فيها. ومن هذه الآيات قوله تعالى (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49].
إن الذي لفت انتباهي أن الآية تتحدث عن يوم القيامة، أي عن حدث سيقع في المستقبل، ومع ذلك نجد أن صيغة الأفعال جاءت في الماضي!!! (وَوُضِعَ الْكِتَابُ) ، (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا)، فهذه أفعال تمت في الماضي مع أن الحديث عن يوم القيامة، فما هو السر؟
بعد تفكير طويل وجدتُ بأن القرآن هو كتاب الحقائق المطلقة، ولذلك فهو يتحدث عن أشياء مطلقة، فالزمن بالنسبة لنا نحن البشر ينقسم إلى ماض ومستقبل، أما بالنسبة لله تعالى وهو خالق الزمن فلا وجود للماضي أو المستقبل، بل إن الله تعالى يرى الماضي والمستقبل، كيف لا يراهما وهو خالقهما؟
ولذلك عندما يقول القرآن (وَوُضِعَ الْكِتَابُ) فهذا يعني أن هذا الأمر قد وقع فعلاً ولكننا لم نعش هذه اللحظات بعد، وعندما يقول القرآن (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) فهذا يعني أن الكافر سيعيش هذه اللحظات بل هو قد عاشها، ولكنه لا يعلم ذلك!
والسؤال: هل يوجد إثبات علمي على صدق هذا الكلام؟
يتحدث العلماء اليوم عن إمكانية السفر إلى الماضي! فالنظرية النسبية التي وضعها آينشتاين في مطلع القرن العشرين تؤكد بأن الزمن لا يسير بلمح البصر إنما يسير بسرعة كونية هي سرعة الضوء، وهي 300 ألف كيلو متراً في الثانية، وهذه أقصى سرعة حقيقية يمكن الوصول إليها.

عندما تصل سرعة أي جسم إلى هذه السرعة الكونية سوف يتوقف عندها الزمن، أي أننا نعيش اللحظة الحاضرة فقط، فلا نرى الماضي ولا المستقبل. ولكن عندما نسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء فإننا نستطيع رؤية الماضي، وهذا ما يؤكده العلماء اليوم.
ولذلك يمكن للإنسان أن يرى أعماله الماضية ولكنه لا يستطيع أن يغيرها! وسبحان الله! يأتي القرآن ليتحدث بكل دقة عن هذه الحقيقة فيقول: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) أي أن كل إنسان سوف يرى أعماله وكأنها تحدث في اللحظة الحاضرة، ولكنه لا يستطيع أن يغيرها، وهذا ما يقوله العلماء اليوم عندما يتحدثون عن السفر إلى الماضي، بأن الإنسان يستطيع أن يرى الماضي ولكنه لا يستطيع أن يغيره!
ما هي النظرية النسبية
معظمنا يسمع بالنظرية النسبية ولكن قد نجد عدداً كبيراً لا يعلم ما هي هذه النظرية؟ باختصار شديد إن كل شيء في هذا الكون هو نسبي، فنحن مثلاً نعيش على أرض نراها ثابتة ولكنها في الحقيقة تدور بسرعة كبيرة حول محورها، وتدور بسرعة أكبر حول الشمس. وتنجرف بسرعة مذهلة مع المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية بما فيها الأرض ونحن، تجري بسرعة عالية مع المجرة باتجاه محدد قد رسمه الله لها. والمجرة تسير أيضاً مع مجموعة المجرات المحيطة بسرعة كبيرة.... وهكذا عدد من الحركات لا ندركها ولا نراها، ولكن العلم كشفها لنا.
إذن ليس هنالك شيء يمكن أن نقيس السرعة بالنسبة له، فكل شيء يتحرك ويسير بمسار محدد ومحسوب، وهذا ما نجد إشارة قرآنية عنه في قوله تعالى: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء: 33].
ثم إن القوانين التي تحكم حركة الأشياء سوف تتغير عندما تقترب سرعتها من سرعة الضوء، وبالتالي فالقوانين نسبية أيضاً وتابعة لسرعة الجسم المتحرك.
هنالك أمر مهم في النظرية النسبية وهو أن أي حادثة تحدث الآن لا يمكن أن نراها بنفس اللحظة، إنما تستغرق زمناً يتعلق ببعدها عنا. فإذا انفجر نجم يبعد عن الأرض ألف سنة ضوئية، إذا انفجر الآن سوف لن نرى هذا الانفجار إلا بعد ألف سنة، وهي المدة اللازمة للضوء ليقطعها من النجم إلى الأرض.
أنواع الزمن
وبناء على ذلك فكل ما نراه هو الزمن الماضي أي أننا لا نرى اللحظة الحاضرة أبداً مادام هنالك زمن يفصلنا عنها ولو كان صغيراً، ولذلك يوم القيامة سوف يختفي هذا القانون ونرى الأشياء حاضرة وكأنها تحدث الآن: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا).
وحتى نرى اللحظة الحالية يجب أن نسير بسرعة الضوء، أما إذا أردنا أن يعكس الزمن اتجاهه فما علينا إلا أن نسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء لنرى الماضي!
ويكمن رسم المخطط الآتي:
السرعة
أقل من سرعة الضوء
تساوي سرعة الضوء
أكبر من سرعة الضوء
الزمن
الماضي
الحاضر
إعادة رؤية الماضي
إن الله تعالى يرى هذه الأزمنة الثلاثة بنفس اللحظة، ولذلك نجد القرآن غالباً ما يتحدث عن المستقبل بصيغة الماضي! ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) [الشعراء: 90-92]. ومع أن الآيات تتحدث عن يوم القيامة أي عن الزمن المستقبل، إلا أنها جاءت على صيغة الماضي: (أُزْلِفَتِ، بُرِّزَتِ، قِيلَ).
إننا نحن البشر ننتظر حتى تحدث هذه الأشياء، ولكن الله تعالى لا ينتظر بل يرى كل شيء وقد وقع حقيقة، ولذلك يقول تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ) [النمل: 65-66].

مجرة تبعد عنا مسافة تقدر بـ 9 بليون سنة ضوئية، إننا نرى في هذه الصورة شكل المجرة قبل 9 بليون سنة، أما شكلها الآن فلا يعلمه إلا الله تعالى، وقد تكون هذه المجرة قد انفجرت وماتت منذ ملايين السنين، ولكننا لا نرى ذلك، لأن الشعاع الضوئي القادم إلينا من هذه المجرة قد بقي 9 بليون سنة يسير حتى وصل إلى الأرض. ولذلك يؤكد العلماء بأننا لو استطعنا السير بسرعة أكبر من سرعة الضوء سوف نلحق هذا الشعاع الضوئي ونسبقه ونرى الماضي!
يتبع