2- قال الحسن البصري (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
رموا الحيتان في السبت ثم أرجئوها في الماء فاستخرجوها بعد ذلك فطبخوها , فأكلوها والله اوخم أكلة , أكلة أسرعت في الدنيا عقوبة , وأسرعت عذابا في الآخرة , والله ماكانت لحوم الحيتان تلك بأعظم عند الله من دماء قوم مسلمين , إلا أنه عجل لهؤلاء وأخر لهولاء , وقوله رموها في السبت يعني : احتالوا على وقوعها في الماء يوم السبت كما بين غيره أنهم حفروا لها حياضا ثم فتحوها عشية الجمعة ,
3- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
فيه تقرير في انفس المخاطبين وقلوب السامعين أن تدارؤبني إسرائيل في قتل تلك النفس , لم يكن نافعا لهم في إخفائه وكتمانه لأن الله تعالى مظهر لذلك ومخرجه .
4- ومن تلاعبه بهم في حياة نبيهم أيضا ماقصه الله سبحانه وتعالى
من قصة القتيل الذي قتلوه وتدافعوا فيه , حتى أمروا بذبح بقرة , وضربه ببعضها
وفي هذه القصة أنواع من العبر
منها : أن الإخبار بها من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنها : الدلالة على نبوة موسى , وأنه رسول من رب العالمين
ومنها : الدلالة على صحة مااتفقت عليه الرسل من أولهم إلى خاتمتم ومن معاد الأبدان وقيام الموتى من قبورهم .
ومنها : إثبات الفاعل المختار , وأنه عالم بكل شيء قادر على كل شيء , عدل لايجوز عليه الظلم والجور , حكيم لايجوز عليه العبث .
ومنها : إقامة أنواع الآيات والبراهين والحجج على عباده بالطرق المتنوعات , زيادة في هدى المهتدي وإعذارا وإنذارا للضال .
ومنها : لاينبغي مقابلة امر الله بالتعنت , وكثرة الأسئلة , بل يبادر إلى الإمتثال , فإنهم لما امروا أن يذبحوا بقرة كان الواجب عليهم أن يبادروا إلى الإمتثال , بذبح أي بقرة اتفقت , فإن الأمر بذلك إجمال ولا إشكال , بل هو بمنزلة قوله : اعتق رقبة , وأطعم مسكينا , وصم يوما . ونحو ذلك , ولذلك غلط من احتج بالآية على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
فإن الآية غنية عن البيان المفصل , مبينة بنفسها , ولكن لما اعتدوا وشددوا شدد الله عليهم .
ومن أقبح جهلهم وظلمهم قولهم (ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)
فإن أرادوا بذلك : أنك لم تأت بالحق قبل ذلك في امر البقرة فتلك رده وكفر ظاهر , وإن أرادوا أنك الآن بينت لنا البيان التام في تعيين البقرة المأمور بذبحها فذلك جعل ظاهر فإن البيان قد حصل بقوله (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) فإنه لا إجمال في الأمر , ولافي الفعل , ولافي المذبوح , فقد جاء رسول الله بالحق من أول مرة .